رؤى
النبى.. ينقل أم يفسر؟
أبسط تعريف للنبى فى الدراسات الكتابية هو: فم الله، هذا التعريف، مع أنه أخذ من نص توراتى، إلا أنه أوقع الباحثين فى إشكالية كبيرة، فأصبحوا مطالبين بأن يوضحوا: هل فم الله هذا ينقل ما يسمعه حرفيًا، أم أنه يفهم من الله ويصيغ ما فهمه فى كلمات لكى تصل للناس؟، بمعنى آخر: هل النبى يستقبل الرسالة من الله فى شفرة، أم أنه يستقبلها كما ينقلها للناس؟.
البعض رأى أن كلمة نبى معناها: شخص ينطق بكلمات وضعها آخر فى فمه(أوزولدت.الس: الله تكلم بموسى– ترجمة أدبية شكرى يعقوب، صـ 111)، أو حسب تفسير سيجال هو: الذى يتحدث ويسمع الشعب كلام الله الذى سمعه هو فى رؤيا النبوة،(س ج سيجال: تاريخ الأنبياء عند بنى إسرائيل– ترجمة د. حسن ظاظا، صـ19 )
والبعض الآخر- خاصة فى الدراسات المسيحية- رأى أن النبى: هو الذى يتكلم أو يكتب عما يجول فى خاطرة، دون أن يكون ذلك الشيء من بنات أفكاره، بل من قوة خارجة عنه، وهى قوة الله، (قاموس الكتاب المقدس: د. بطرس عبدالملك وآخرين، صـ 949) وهو ما يعنى أنه يصيغ ما يجول فى خاطرة، سواء بالكلام أو الكتابة، أى أنه أقرب للمفسر، وهو ما قد سبق وأعلنه بعض الباحثين صراحة، إذ رأوا أن النبى: هو مفسر ما يوحى الله به لأمثاله من الناس الذين لا يقدرون الحصول على معرفة يقينية به ولا يملكون إلا إدراكه بالإيمان وحده، ويسمى العبرانيون النبى نبيًا، أى خطيبًا أو مفسرًا، خاصة وأنه يستعمل فى الكتاب بمعنى مفسر الله (اسبينوزا: رسالة فى اللاهوت والسياسة- ترجمة د. حسن حنفى، صـ 123)، ومبرر هؤلاء فى هذا يرجع إلى أنه قد أوحى للأنبياء بالكلام أو بالمظاهر الحسية، أو بالطريقتين معًا، وفى بعض الأحيان يكون الكلام والمظهر الحسى حادثًا بالفعل، لم يتخيله النبى لحظة سماعة أو رؤيته، وأحيانًا أخرى يكون مجرد خيالات، بحيث تكون مخيلة النبى مهيأة حتى وهو فى اليقظة، على نحو يجعله يتخيل أنه يسمع صوتًا أو يرى شيئًا بوضوح، مثال ذلك أن الله قد أوحى لموسى الشرائع التى سنها للعبرانيين بصوت حقيقي، وباستثناء هذا الصوت لم يسمع أى نبى كان أى صوت حقيقي، (موسى بن ميمون: دلائل الحائرين، صـ398) بمعنى أكثر وضوحًا (حسب اسبينوزا) أن الأنبياء لم يتلقوا وحيًا إلهيًا إلا بالاستعانة بالخيال، أى بواسطة كلمات أو صور، تكون حقيقية مرة وخيالية أخرى.