المحور الصيني الروسي الصاعد
يتحول مركز الثقل العالمي من الغرب الي الشرق بسرعة إعصار لا يستطيع الاستعمار الأمريكي إيقافه، وقد نشرت مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية في 10 يوليو مقالا للكاتب «ريد ستانديس» ينم عن هذا القلق الشديد بعنوان «الصين وروسيا تضعان أساس تعاون اقتصادي ضخما» ننقله للقارئ كما ورد.
يقول الكاتب إنه في الحقبة السابقة كانت الصين وروسيا متنافستين أكثر من متعاونتين، ولكن هذه العلاقة تتغير الآن حيث يدرس قادة الدولتين توحيد المشروعات الاقتصادية الإقليمية لدولتيهما تحت عنوان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي «أي أوروبا وآسيا» وطريق الحرير الاقتصادي.
عندما التقي الجانبان في مؤتمر قمة لمنظمة تعاون شنغهاي تباحث الرئيس الروسي بوتين والرئيس الصيني جينبنج في إطار يدمج شبكة الطرق الصينية البالغ تكلفتها مليارات عديدة من الدولارات وطرقها الحديدية وخطوط أنابيبها وسط آسيا مع الاتحاد الأوراسي، وهو التجمع الذي أعقب نهاية الاتحاد السوفيتي والذي يضم أرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقرغيزستان مع روسيا، والمشروع يتضمن إدماج المجموعتين تحت مظلة منظمة شنغهاي للتعاون، وإذا تم الاقتراح فسيعني جعل المنظمة أكبر تجمع اقتصادي من شنغهاي حتي سان بطرس برج وقد صرح «الكساندر جابويف» كبير مراقبي البرنامج الروسي في مكتب مؤسسة «كارنيجي» بموسكو لمجلة «السياسة الخارجية» بأنه للمرة الأولي هناك مجموعة عمل تدرس هذا المشروع الاندماجي الذي يبدو تحقيقه حقيقة، ويتضمن المشروع تنسيق عمل المجموعة التي تقودها روسيا مع المشروعات الصينية الضخمة التي استثمرت للآن خمسين مليار دولار في وسط آسيا، وتوحيد القواعد بين الكتلتين يمكن إجراء خفض ضخم في تكاليف شحن الإنتاج الصيني لأوروبا حيث تمر البضائع في سوق جمركي موحد قبل دخولها دول الاتحاد الأوروبي.
وهناك منطق قوي تجاريا في هذه الخطة أكثر من مجرد سياسة كما قال «جابويف» وقد نشأت منظمة شنغهاي للتعاون سنة 2001 من روسيا والصين وأربع دول من وسط آسيا، وكان هدفها الأصلي حل النزاعات الحدودية بين الأعضاء، وقد نجحت في مهمتها الأساسية وطورت المنظمة نشاطها في السنوات التالية من التنمية الي مقاومة الإرهاب، وقد وافق قادتها علي طلبات من الهند وباكستان للانضمام لها كأعضاء كاملين، وتأمل روسيا أن تنضم لها إيران بعد أن ترفع الأمم المتحدة العقوبات عن إيران، وهذا التدعيم لمنظمة شنغهاي بشراكة الصين وروسيا قد تجعل من المنظمة قوة حقيقية، كما قال الخبير الآسيوي «لوقا انسيش» الأستاذ بجامعة «جلاسكو».
وتقوم وسائل الإعلام الحكومية في كل من الصين وروسيا بالدعاية الضخمة لكل مقترحات التعاون التي تطرحها منظمة شنغهاي، وتقول وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» عنها إنها الأساس الحقيقي للتعاون والازدهار لكل قارة أوراسيا «أي أوروبا وآسيا»، وهذا بدوره يعد تحولا جذريا في جو العداء السابق بين روسيا والصين والمنافسة الشديدة بينهما علي النفوذ في منطقة وسط آسيا.
وعندما وجد الرئيس «بوتين» نفسه معزولا عن الغرب ووجد اقتصاد بلده يعاني من العقوبات التي وقعتها عليه دول الغرب نتيجة الأزمة الأوكرنية، ويعاني كذلك من انخفاض أسعار النفط. قرر «بوتين» تعزيز علاقة روسيا بالصين، وجاء التقارب الشديد بينهما في صورة صفقات للطاقة أساسا، مثلتها صفقة غاز العام الماضي قيمتها أكثر من أربعمائة مليار دولار. كما اشتركت روسيا في المشروع الذي تتزعمه الصين لإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية هذا العام، كما تدور مباحثات في اجتماع قمة المنظمة لدراسة إنشاء بنك تنمية جديد تحت مظلة منظمة شنغهاي للتعاون، وهو موضوع تجنبته روسيا في الماضي خوفا من إعطاء الصين قوة ضخمة في منطقة نفوذها.
ولكن في ضوء هذه الظروف الجديدة فإن روسيا تشحن وضعها من جديد في منطقة وسط آسيا ومناطق أخري من دول الاتحاد السوفيتي السابق ولم يكن الاتحاد الأوراسي بالنجاح الذي كانت روسيا تتمناه، فمنذ نشأته في يناير كانت هناك نزاعات تجارية بين دول المجموعة مثل روسيا البيضاء وكازاخستان وروسيا، ولن تهيئ جو الحافز الاقتصادي الذي وعدت به أعضاءها، فروسيا تعلم أنها لا تستطيع مجاراة حجم الاستثمار الصيني أو اللحاق به.
ولذلك تهدف روسيا بدلا من ذلك أن تحافظ علي نفوذها الدولي كضامن للأمن وسط المجموعة عن طريق القواعد العسكرية في وسط آسيا وعن طريق صفقات السلاح مع دول المنطقة وعن طريق معاهدة الدفاع المشترك مع دول المجموعة التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي في الماضي، وهذا النوع من الترتيبات يلقي قبولا من الصين التي لا تريد نشر قواتها العسكرية خارج حدودها. كما يلقي قبولا من دول وسط آسيا التي اعتادت علي وجود قوات روسية علي أرضها منذ أيام الاتحاد السوفيتي.
وبموجب هذا الترتيب الذي يرضي جميع الأطراف المشتركة فيه تصبح الصين هي بنك المجموعة، بينما تصبح روسيا ذراع المجموعة العسكرية القوية، وقد صرح «جابويف» بهذا المنطوق حرفيا، ورغم أن خارطة الطريق لعمل المجموعة قد تم إقرارها في المؤتمر الأخير فإن المشروع مازال أمامه صعوبات كبري، قبل أن يبدأ تنفيذه، فطبقا لآراء الخبراء فإن القيادة الروسية منقمسة بين من يرون ربط مصيرهم تماما بالصين وبين البيروقراطيين العمليين الروس الذين يرون أن التحالف مع الصين هو ضرورة اقتصادية في ضوء خلاف روسيا مع الغرب وحصاره لها، وعدم استطاعتها مجاراة موارد الصين الضخمة وحاجتها الماسة للاستثمارات الصينية، ولكن أجهزة الأمن الروسية مازالت علي قناعتها أن الصين لا تستطيع تهميش النفوذ الروسي علي الأقل حاليا، ويبدو أن الغلبة في القيادة الروسية حاليا هي لفريق البيروقراطيين العمليين.
وإلي هنا ينتهي هذا العرض للمشروع العملاق للتعاون بين روسيا والصين اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والذي ينبئ باتجاه ريح السياسة الدولية نحو قيام المحور الدولي الذي ينزع عن الاستعمار الأمريكي انفراده بالقطبين علي العالم عسكريا، وينزع عن احتكار القوة الاقتصادية عالميا، وجدير بالذكر أن الصين تفوقت علي أمريكا اقتصاديا منذ أكتوبر الماضي وأصبح الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد في العالم.
ولا يحتاج القارئ الي كثير من الذكاء لملاحظة القلق الشديد لكاتب غزير عندما يعرض تحليله في مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية التي تعتبر أحد أقوي منابر اليمين الأمريكي الإعلامية وأكثرها دفاعا عن كل ما يرتكبه الاستعمار الأمريكي في حق شعوب العالم، وتبريرا لكل ما يرتكبه من جرائم ضد الغير، وقد كانت هذه المجلة بالذات في طليعة الإعلام الاستعماري الأمريكي الذي حاول تبرير جرائم غزو العراق وأفغانستان والترويج المستمر للمشروع الأمريكي بتفتيت دول الشرق الأوسط بعد أن جند وموّل وسلّح تنظيم «داعش» وغيره من تنظيمات الإرهاب وأطلقه علينا ولكننا لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا فنحن الذين نحمل السلاح الأمريكي المسموم ونقتل به بعضنا البعض ونحن الذين نزود الاستعمار الأمريكي بالعملاء والخونة مثل عصابة الإخوان المسلمين وحماس وغيرها من المستعدين لخيانة أوطانهم والتنازل عن أجزاء من أرض أوطانهم المقدسة لتنفيذ مخططات الاستعمار الغربي.
ولا يكفي عزاء لنا أن نري الاستعمار الغربي يتراجع أمام المحور الصيني-الروسي الصاعد في الشرق والذي يتجه مركز الثقل العالمي نحوه، فما لم نقم من غفوتنا وننتزع من عقولنا كل مخلفات العصور الوسطي ونتجه لبناء دول حديثة قوية، ديمقراطية فلن يكون مستقبلنا أفضل عندما يتم تحول مركز الثقل العالمي نحو الشرق ولن يكون مصيرنا أفضل من مصير الهنود الحمر،و كذلك نأسف في نهاية هذا العرض أن نقول لمواطنينا: «أفيقوا يا أيها الهنود السمر قبل فوات الأوان».
الرئيس الشرفي لحزب الوفد