بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

‬فقط‮.. ‬نريد أن نعيش

تعيد‮ "بوابة ‬الوفد‮" ‬اليوم نشر مقال الكاتب الصحفي‮ ‬الأستاذ فاروق جويدة الذي‮ ‬نشرته صحيفة الأهرام أمس الأول‮ "الجمعة‮" ‬تحت عنوان‮: "‬فقط‮.. ‬نريد أن نعيش‮"‬

--------------

لم أندم لأنني‮ ‬لم أذهب إلي‮ ‬لجنة الانتخابات وأعطي‮ ‬صوتي‮ ‬فقد اكتشفت من البداية أنه لا‮ ‬يوجد أمامي‮ ‬في‮ ‬قائمة المرشحين من‮ ‬يستحق هذا الصوت‭..‬‮ ‬ولابد أن اعترف أنني‮ ‬لم أحمل‮ ‬يوما بطاقة انتخابية،

تولم أدخل في‮ ‬حياتي‮ ‬لجنة من اللجان منذ سمعت عن الاتحاد القومي‮ ‬والاتحاد الاشتراكي‮ ‬وحزب مصر،‮ ‬وأنا علي‮ ‬استعداد الآن أن أقبل أن نعود إلي‮ ‬نظام الحزب الواحد ونلغي‮ ‬جميع الاحزاب الورقية ونعود مرة أخري‮ ‬إلي‮ ‬النظام الشمولي‮ ‬ولا داعي‮ ‬إطلاقا لهذا الحلم السخيف الذي‮ ‬يسمي‮ ‬الديمقراطية‭..‬

وإذا كان الحزب الوطني‮ ‬قد حصد كل هذه الأصوات وحصل علي‮ ‬هذه الأغلبية المطلقة فإنني‮ ‬أرحب وبشدة ان‮ ‬يصبح هو الحزب الوحيد الحاكم ولكن عندي‮ ‬بعض الشروط‭..‬‮ ‬إذا كانت جميع الأحزاب سواء الرسمية أو المحظورة قد فشلت في‮ ‬هذه الانتخابات كما‮ ‬يدعي‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬فما هي‮ ‬مبررات وجودها،‮ ‬ولماذا لا نعود مرة أخري‮ ‬إلي‮ ‬الحزب الواحد ولكن بهذه الشروط‭..‬

أولاً:‬‮ ‬أن‮ ‬يعيد لنا هذا الحزب الشمولي‮ ‬مستوي‮ ‬الأسعار والخدمات والمعيشة إلي‮ ‬ما كانت عليه في‮ ‬زمان مضي،‮ ‬وأن‮ ‬يوفر للناس حياة كريمة،‮ ‬ولن نتحدث عن شيء‮ ‬يسمي‮ ‬الديمقراطية مرة أخري‭..‬‮ ‬كل المطلوب أن‮ ‬يوفر لنا تعليما مناسبا لابنائنا‮ ‬يحافظ علي‮ ‬عقل هذا الشعب وتاريخه وتراثه وأن‮ ‬يخرج من مدارسنا مرة أخري‮ ‬أدباء وعلماء وكتاب ومفكرون،‮ ‬وأن تعود مدارسنا كما كانت دور علم وتربية وأخلاق،‮ ‬وأن تعود الجامعات إلي‮ ‬عصرها الذهبي‮ ‬في‮ ‬مستوي‮ ‬أساتذتها وعلمائها وطلابها النوابغ‭..‬‮ ‬أن تعود الأسعار إلي‮ ‬المستوي‮ ‬الذي‮ ‬يتناسب مع دخل الفرد بحيث لا تطحنه الحكومة كل‮ ‬يوم‭..‬‮ ‬وأن‮ ‬يعود إنتاجنا كما كان في‮ ‬المنسوجات والسكر والأدوية والمحاصيل الزراعية،‮ ‬وأن نجد المحاصيل التي‮ ‬كنا ننتجها ونعيش منها‭..‬‮ ‬وأن‮ ‬يعود المواطن المصري‮ ‬يجد السكن المناسب بالإيجار وألا تطارده الضريبة العقارية وأسعار الحديد والأسمنت وأصحاب الاحتكارات الكبري‮ ‬الذين استولوا علي‮ ‬أموال هذا الشعب في‮ ‬غفلة منا جميعا وأصبحوا أصحاب الاحتكارات وأصحاب الحزب وأصحاب كل شيء في‮ ‬هذا البلد‭..‬

ثانياً:‬أن تعود العدالة الاجتماعية إلي‮ ‬حياة المصريين من خلال فرص متكافئة في‮ ‬العمل والتميز،‮ ‬وأن‮ ‬يحصل كل إنسان علي‮ ‬حقه حسب إمكانياته وقدراته‭..‬‮ ‬وأن‮ ‬يجد ملايين الشباب العاطلين في‮ ‬الشوارع فرصا للعمل في‮ ‬الشركات المميزة التي‮ ‬لا تفتح أبوابها إلا لأبناء الأكابر،‮ ‬وأن‮ ‬يجد الفلاح أبنه مستشارا بلا وساطة وطبيبا بلا تزوير في‮ ‬نتائج الامتحانات،‮ ‬وضابط شرطة دون أن‮ ‬يدفع شيئـا لأعضاء مجلس الشعب،‮ ‬وأن‮ ‬يصبح ابن العامل مهندسا في‮ ‬السد العالي‮ ‬أو توشكي‮ ‬وأن‮ ‬يسافر في‮ ‬بعثه للخارج‮ ‬يكمل فيها تعليمه ويعود أستاذا في‮ ‬الجامعة كما عاد مئات المصريين من أبناء الفقراء والبسطاء،‮ ‬وألا‮ ‬يلقي‮ ‬الأبناء أنفسهم في‮ ‬النيل انتحارا بعد أن أصابهم اليأس والإحباط‭..‬‮ ‬وأن‮ ‬يجد كل شاب فرصته في‮ ‬مجالات الحياة المختلفة حتي‮ ‬ولو كان لاعب كرة أو فنانا ناشئا أو مطربا في‮ ‬نادي‮ ‬ليلي‭..‬‮ ‬وان تجد كل فتاة ابن الحلال وتترك بيت العنوسة لان الزواج أصبح فقط للقادرين من أبناء العائلات الكبري‮ ‬الذين جمعوا الثروة والنسب والمستقبل والأصول حتي‮ ‬ولو كانت فاسدة‭..‬

ثالثاً:‬أن‮ ‬يجد المواطن المصري‮ ‬الكادح في‮ ‬مصنعه أو حقله الدخل الذي‮ ‬يتناسب مع ما‮ ‬يقدم من جهد،‮ ‬وألا‮ ‬يجد نفسه‮ ‬يقف في‮ ‬طابور طويل‮ ‬يسمي‮ ‬المعاش المبكر،‮ ‬وألا‮ ‬يجد الفلاح نفسه مطاردا من بنك الائتمان الزراعي‮ ‬وأسواق الأسمدة والبذور والمبيدات والسجن في‮ ‬اغلب الأحيان،‮ ‬وألا‮ ‬يجلس طبيب الامتياز24‭ ‬ساعة في‮ ‬المستشفي‮ ‬ولا‮ ‬يحصل علي200‭ ‬جنيه راتبا شهريا بينما أصبح زميله الفاشل في‮ ‬الكلية‮ ‬يمتلك مستشفي‮ ‬كاملا ورثه عن السيد الوالد عضو مجلس الشعب أو لجنة السياسات‭..‬

رابعاً‭:‬أن تخلصنا حكومة الحزب الواحد من ديون تجاوزت الترليون جنيه وعجز في‮ ‬الميزانية بلغ100‭ ‬مليار جنيه سنويا و500‭ ‬مليار جنيه في‮ ‬خمس سنوات،‮ ‬وأن تعيد وزارة المالية300‭ ‬مليار جنيه هي‮ ‬أموال أصحاب المعاشات التي‮ ‬تسربت في‮ ‬غفلة منا إلي‮ ‬وزارة المالية ولا أحد‮ ‬يعرف مصيرها حتي‮ ‬الآن‭..‬‮ ‬وأن تعيد الحكومة الشمولية مئات المشروعات التي‮ ‬باعتها في‮ ‬برنامج الخصخصة في‮ ‬مخالفة صريحة لكل القوانين لأنها كانت تبيع ثروة شعب ومستقبل أمة‭..‬‮ ‬وأن تعيد الحكومة ثلاثة ملايين فدان وزعتها علي‮ ‬المحاسيب والأنصار وكذابي‮ ‬الزفة ورجال الأعمال والمهربين في‮ ‬أكبر عملية نهب شهدتها الكنانة في‮ ‬عصرها الحديث‭..‬‮ ‬وان تعيد حكومة الحزب الواحد عشرات المليارات التي‮ ‬حصل عليها عدد قليل من رجال الأعمال من البنوك وتمت تسويتها‭..‬‮ ‬نريد من الحزب الحاكم أن‮ ‬يقول لنا أين أموال قناة السويس والبترول والغاز وأين أنفق مليارات الديون‭..‬‮ ‬ومليارات العجز في‮ ‬الميزانية ومليارات التأمينات الاجتماعية ومعاشات المواطنين‭..‬

خامساً:‬أن‮ ‬ينتهي‮ ‬مسلسل الفزاعات الحكومية التي‮ ‬مارسها الحزب الوطني‮ ‬سنوات طويلة فقد أخرج لنا من جلبابه فزاعة الأخوان المسلمين لأنها تهدد أمن واستقرار حياة المصريين وبعد أن كان لهم88‭ ‬مقعدا في‮ ‬مجلس الشعب في‮ ‬عام‮ ‬2005‭ ‬خرجوا من مولد2010‭ ‬بلا حمص أو حلاوة وإن بقيت فزاعة الأخوان شعارا للمرحلة‭..‬‮ ‬أنهم أمام العالم

الخارجي‮ ‬يمثلون الإسلام الذي‮ ‬لا‮ ‬يريده الغرب وأمام العالم الداخلي‮ ‬هم مجموعة تمثل التطرف في‮ ‬الفكر،‮ ‬وعلي‮ ‬كتائب المثقفين التنويريين أن تحاصرهم،‮ ‬وأن تكون هذه الكوكبة في‮ ‬طليعة الثقافة المصرية الرسمية في‮ ‬المكاسب والأموال والمصالح‭..‬

إن فزاعة الإخوان المسلمين‮ ‬يجب أن تتصدر قائمة المشاكل والملابسات والشبهات‭..‬‮ ‬وبعد ذلك كله أكتشف المصريون أن هذه الفزاعة الضخمة والخطيرة التي‮ ‬حشدت لها الدولة المعتقلات والسجون والمؤسسات الثقافية وأجهزة الإعلام لم تحصل علي‮ ‬مقعد واحد في‮ ‬الانتخابات التشريعية‭..‬‮ ‬تري‮ ‬من خدع الآخر هنا‭..‬‮ ‬هل بالفعل الإخوان‮ ‬يمثلون من حيث الوجود والتأثير الجماهيري‮ ‬هذا النفوذ الطاغي‮ ‬وهذا التهديد الرهيب‭..‬‮ ‬وأين كان ذلك كله في‮ ‬الانتخابات حيث لم‮ ‬ينجح أحد‭..‬‮ ‬كان عدد الأخوان المسلمين في‮ ‬عهد عبد الناصر18‭ ‬ألفا في‮ ‬كل أرجاء المحروسة وكانت أجهزة الأمن تعرفهم بالاسم وتسجنهم جميعا إذا أرادت في‮ ‬ليلة واحدة،‮ ‬ولكن الغريب أن‮ ‬يمنح الحزب الوطني‮ ‬للإخوان المسلمين‮ ‬88‭ ‬مقعدا في‮ ‬انتخابات‮ ‬2005‭ ‬ويحرمهم من هذا الشرف تماما في‮ ‬انتخابات‮ ‬2010‮ ‬فما هي‮ ‬الحقيقة في‮ ‬ذلك كله‭..‬‮ ‬هل كان هذا بالفعل حقهم في‮ ‬الانتخابات الماضية من حيث الأهمية والتواجد،‮ ‬وأين ذهب ذلك كله وتلاشي‮ ‬في‮ ‬انتخابات‮ ‬2010‭ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬يحصلوا فيها علي‮ ‬شيء‭..‬‮ ‬وكيف نصدق بعد ذلك أن الأخوان قادرون كما‮ ‬يقول الحزب الوطني‮ ‬علي‮ ‬الوصول للسلطة،‮ ‬وهل‮ ‬يعقل أن تنظيما لم‮ ‬يحصل علي‮ ‬صوت واحد في‮ ‬مجلس الشعب‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يصل إلي‮ ‬السلطة؟ أم أن الفزاعة انكشفت وأصبح من الصعب جدا إخفاء الحقيقة وهي‮ ‬أن الفزاعة مجرد خيال مآتة صنعته الحكومة لكي‮ ‬تؤدي‮ ‬دورا في‮ ‬مسرحية هزلية‭..‬

سادساً:‬ما هو مبرر وجود الأحزاب السياسية في‮ ‬مصر الآن إذا كان حجمها وتأثيرها بهذه الصورة المخزية‭..‬‮ ‬إن هذه الأحزاب سواء كانت صاحبة تاريخ وماض أو ليس لها تاريخ لم تحصل علي‮ ‬شيء‮ ‬يؤهلها لكي‮ ‬تحمل أسم حزب سياسي‭..‬‮ ‬إنها بلا جماهير حيث لم‮ ‬ينتخبها أحد‭..‬‮ ‬وبلا دور حيث لا‮ ‬يشعر بوجودها أحد‭..‬‮ ‬وإذا أضفنا لذلك كله أن ما بقي‮ ‬من بقايا النخبة المصرية قد تحول الجزء الأكبر منهم إلي‮ ‬أعضاء في‮ ‬حظيرة الدولة الثقافية حيث المكاسب والأرباح والغنائم‭..‬‮ ‬لقد شهد حزب الوفد تجربة انتخابية فريدة وخاض الانتخابات بكل جدية‭..‬‮ ‬وكانت الأحزاب الأخري‮ ‬رغم الحصار المفروض عليها في‮ ‬غاية الجدية،‮ ‬فلماذا فرطت الدولة في‮ ‬ذلك كله ولماذا حرصت علي‮ ‬إجهاض تجربة كان من الممكن أن تقدم وجها طيبا لهذا البلد‭..‬‮ ‬ولماذا حرص الحزب الوطني‮ ‬علي‮ ‬افساد العرس بهذه الطريقة‭..‬

أعود من حيث بدأت إذا كانت الديمقراطية قد أصبحت في‮ ‬ظل واقع ضار مجرد حلم مستحيل فلماذا نوهم أنفسنا بان الحلم أصبح قريبا‭..‬‮ ‬وكيف‮ ‬يتحقق هذا الحلم والحزب الحاكم لا‮ ‬يريد أن‮ ‬يترك أي‮ ‬فرصة لاي‮ ‬طرف آخر‭..‬‮ ‬لقد سجن الحزب الوطني‮ ‬نفسه في‮ ‬سجن‮ ‬يسمي‮ ‬الأنانية والعشوائية وضيق الرؤي‭..‬‮ ‬وأعتقد أن كل شيء حوله لا‮ ‬يستحق الاهتمام أو النظر إليه،‮ ‬ولهذا كان ضاريا وهو‮ ‬يحسم بقوة السلطة نتائج الانتخابات ضاربا عرض الحائط بكل القوي‮ ‬السياسية‭..‬‮ ‬لم‮ ‬يعد أمامنا الآن‮ ‬غير أن نطالب بتأجيل هذا الحلم السخيف حلم الديمقراطية،‮ ‬وأن نترك للحزب الوطني‮ ‬فرصة أن‮ ‬يحكم بالنظام الشمولي،‮ ‬ولنا شرط واحد أن‮ ‬يعيد الحزب للشعب ما أخذ،‮ ‬وأن‮ ‬يوفر له قدرا ضئيلا من الحياة الكريمة‭..‬‮ ‬ولن نتحدث عن الديمقراطية مرة أخري‭..‬‮ ‬فقط نريد أن نعيش‭..‬