دولة تركت لأقدارها التعسة!
أظن أنني لست في حاجة إلي تدليل علي صحة القول المأثور: «المفرطون أولي بالخسارة»، بل يدلل هذا القول وحده علي أنه يحل المقدمات والتي تفضي إلي نتائج محددة مما لا يجوز معه أن نكون في دهشة أو أسف!، فلقد ضيعنا الكثير من الوقت بعد قيام ثورة يناير في صخب وتناحر علي زعامة الحياة السياسية
بظن منا أننا بهذا سوف نقيم الديمقراطية!، وقد ضحينا في سبيل هذا الوهم بثوابت كانت لازمة لكي تتقدم بنا الحياة في مصر نحو نظام أفضل!، بديلا للنظام الذي توهمنا أننا اسقطناه بمجرد تخلي رأسه ورموزه عن السلطة تحت ضغوط ثورة شعبية قادها الشباب، ليتم السطو بعد ذلك علي الثورة وتنحي شبابها أو تنحيته للخروج من المشهد السياسي والحياة العامة بالكامل، وكان البعض يظن أن السلطة التي قامت لتحكم عقب انتخابات حددت الصناديق نتائجها سوف تتفرغ للعمل علي ضبط مفاصل الدولة وإعلاء وتفعيل السلطات المخولة لأجهزة الدولة في اختصاصاتها، وتطبيق القوانين وإعلائها فوق الجميع، ولم يكن ذلك ممكنا بالطبع دون اعتماد الردع المطلوب لذلك دونما مهادنة أو خضوع لمن يسعون إلي الخروج علي القانون، لكننا يجب أن نعترف - السلطات الحاكمة قبل الافراد - بأننا قد فرطنا تفريطا شديداً في التمسك بالثوابت التي توطد أركان الدولة، وبدت الدولة وسلطاتها في مرحلة «رخاوة» واسترخاء لا تنتفض منها إلا عند الاحساس بالخطر علي المكتسبات التي حققها التيار الذي ركب السلطة!، وهي سلطة بدت راغبة في نفي وإقصاء غيرها!، حتي لو ساعدها علي ذلك شيوع الفوضي والانفلات الامني، وحيازة متنوعات الأسلحة من مختلف المصادر في الداخل والخارج!، ظنا في أن هذا المناخ يساعد علي تمكين التيار الحاكم من مجريات الحياة كلها ليس في الحاضر فقط، وتحسبا للمستقبل الذي لا ضمان فيه لسلطة أبدية!، بل تبقي الممارسات فقط، والأسلوب الذي أريد له أن تدار به عجلة السلطة باعتمادها علي الأصفياء والخلان وحدهم دون سائر الكفاءات التي حظي بها الوطن في سلسلة تاريخية من الكفاح والصبر علي مكاره شتي!.
وكان لابد أن ينتهي التفريط في الثوابت، وإهمال عملية ضبط الدولة