بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

أمهات بلا عيد

بوابة الوفد الإلكترونية

 

أم محمود: أبنائى وضعونى فى دار للمسنين إرضاء لزوجاتهم.. ونفسى أشوف أحفادى!

سألت «محفوظة» عن عيد الأم فقالت: هموم السنين نستنا حاجات حلوة كتير

«نجوان»: أعمل ليل نهار من أجل لقمة العيش.. وأمثالى ليس لهن أعياد

«هبة» بائعة الخبز: أسمع عنه فى التليفزيون فقط

«هدى»: أنجبت ابنى الوحيد بعد 15 عامًا من المعاناة فى عيادات الأطباء.. ولما صار مهندسًا وتزوج «رمانى فى دار المسنين»

>> خبيرة صحة نفسية: تضحيات الأمهات لا تؤتى ثمارها بسبب الأب!

 

ليس كل الأمهات فى مصر يفرحن يوم عيدهن «عيد الأم» ففى هذا اليوم تسعد أمهات وتحزن أمهات، وتقف أخريات لا يشعرن بأن عيدًا قد مر ببابهن..

بل إن ذات اليوم يصبح عين الجحيم عند أمهات لم يجدن من أبنائهن سوى نكران الجميل.

بدأت قصة عيد الأم بملاحظة للكاتب الكبير «مصطفى أمين» دونها بكتابة «أمريكا الضاحكة» عام 1943 عن ذكرياته عندما كان طالبًا فى أمريكا، فكتب أنهم يحتفلون هناك بعيد الأم» ولكن أحدًا لم يهتم بهذا الأمر.

وعاد «مصطفى أمين» فى عام 1955 إلى طرح ذات الفكرة، وفى يوم 6 ديسمبر من نفس العام كتب «على أمين» فى عمود فكرة: «لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه يوم الأم؟». تحمست النساء للفكرة، وطلب «على» من القراء اختيار اليوم، وأجمعت الأمهات على اختيار 21 مارس عيد الربيع.. ومنذ ذلك اليوم، والمصريون يحتفلون بعيد الأم.

وإن كان هذا اليوم يعد مناسبة سنوية لكى يعبر كل ابن عن حبه لأمه، فإن ذات اليوم يثير أحزان بعض الأمهات، الذين لا يجدون من أبنائهم سوى الجحود والألم والمرارة.

«محفوظة إبراهيم» سيدة سبعينية، ورغم سنها الكبير وصحتها المتدهورة تضطر يوميًا إلى أن تفترش الأرض لكى تبيع مناديل وكمامات على قفص خشبى صغير فى شارع رمسيس، بقلب القاهرة.. وتظل على هذا الحال من العاشرة صباحًا وحتى السابعة مساء كل يوم.

«محفوظة» كانت عاملة فى مستشفى الجلاء لمدة 28 عامًا ولكنها لم يتم تثبيتها حتى وصلت لسن الستين، ولديها بنتان وولد توفاه الله.. البنت الكبرى توفى زوجها وترك لها خمسة أطفال، والبنت الثانية متزوجة وتعيش حياة على حافة الفقر هى وزوجها..

وتقول «أعيش مع ابنتى الصغرى وزوجها، ولأنه ليس لديهما مقدره مالية لتلبية احتياجاتى من مأكل وملبس وعلاج، ولأننى أمتلك سوى معاش يبلغ ربعمائة جنيه، وهو مبلغ لا يكفى لشراء أدوية السكر والضغط اضطررت للخروج إلى الشارع لبيع المناديل والكمامات».

وتضيف «بعائد ما أبيعه يوميًا وبمساعدات بعض المصريين أشارك مع ابنتى وزوجها فى مصاريف البيت».

وأوضحت أنها تبيع المناديل دون علم زوج ابنتها، لكى لا «يعاير» ابنتها لكون أن أمها تتسول، موضحة أنها تقول لهم إنها ذاهبة للعمل، ولا يعرفون عنها شيئًا آخر! وعن يوم عيد الأم تقول: تبتسم فى حزن: هموم السنين نستنا حاجات حلوة كتير.

«نجوان» البالغة من العمر 43 سنة، بطلة لحكاية مأساوية أخرى.. تعمل فى بيع مستلزمات رخيصة الزمن بحسما يكون موسمها فمع إقبال شهر رمضان تبيع زينة رمضان، ولديها خمسة أبناء، والبنت الكبرى متزوجة والبنتين فى سن 14 و15 سنة والأولاد فى سن أصغر، وتعمل منذ الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الثامنة، مؤكدًا أن زوجها أرزقى يعمل يومًا وعشرة أيام لا يجد عملًا، ولهذا فإنها هى من تتحمل مصاريف أبنائها وإيجار الشقة، وتقول عيد الأم يكون للأمهات المرتاحة فى بيوتها، وإنما الأمهات التى تعمل ليلًا ونهار من أجل توفير لقمة العيش، فليس لهن أعياد.

وتضيف الحياة صعبة والأبناء لم يعدوا مثل الأجيال السابقة فى تحمل المسئولية تجاه أمهاتهم، فالكثير من الأمهات تعانى من عدم شعور أبنائهم بتحمل المسئولية أو مراعاتهم، وأعرف كثيرًا من الأمهات كبار السن تركهن أبنائهن يواجهن صعوبات الحياة وحدهن كأنهن لم ينجبن من الأساس، لافتة أن تلك الأمهات يموتون وهم أحياء.

هبة محمود، 46 سنة- بائعة خبز- تقوم بتجهيزه فى بيتها، وبيعه، ومن عائد البيع تنفق على زوجها المريض وابنائها الاثنين، الأصغر 17 عامًا والأكبر 23 عامًا والابن الثالث تزوج وتركها، لا أنها لم تسمع عن عيد الأم إلا فى التليفزيون.

وتقول «هبة» مسئولية أبنائى الثلاثة فى رقبتى فأبنائى الثلاثة أرزقية، ودخلهم لا يكاد يذكر ولهذا أعمل منذ الفجر فأعجن الدقيق، وأجهزه وأخبزه، وأبيعه من الظهر وحتى الثامنة مساء، لكى تتمكن من سد مصاريف زوجها وأبنائها، مؤكدة أنها كان لديها شقة إيجار قديم اضطرت للتنازل عنها لصاحب العقار من أجل أن تأخذ خمسين ألف جنيه لكى تسدد ديونها، وأخذت بدلًا منها شقة إيجار مؤقت، نتيجة عدم عمل أبنائها ومصاريف زوجها المريض الذى لا يقوى على العمل.

هنا.. دار المسنين

مآسى الأمهات فى دار المسنين أشد ألمًا.. داخل إحدى دور المسنين بالجيزة، التقينا سيدة فى عمر 65 تقول إنها أم محمود وهذا الاسم يتم نداؤها به منذ أكثر من 40 عامًا، ولكنه مجرد اسم فقط، فابنها محمود الذى تحمل اسمه هو وباقى اخواته، وضعوها فى الدار وتركوها، بعدما انشغل أبناؤها الثلاثة بزوجاتهم وأطفالهم، وقال إن أبناءها يرسلون لها مبلغًا كل أول شهر لكى تسدد نفقتها فى الدار، ولكنها تؤكد أنها بحاجة إلى رؤيتهم ورؤيتة أحفادها، مضيفة أنها قضت عمرها فى تربية أبنائها، ولا تستحق أن تكون فى دار مسنين وهى لها ثلاثة بيوت وهي بيوت أبنائها، مؤكدة أن زوجها توفى منذ 25 عامًا ورفضت الزواج وظلت تعمل حتى جعلتهم جميعًا فى وظائفهم وباعت الغالى والنفيس من أجلهم، قائلة إن الإنسان ثقيل للغاية ولهذا استجاب أبناؤها لرغبات زوجاتهم ووضعوها فى دار

المسنين، مؤكدة أنها وجدت فى الدار زميلات يؤنسن وحدتها، ولكنها تظل تراقب الباب طويلًا لعل أحدًا من أبنائها يأتى لزيارتها حتى فى يوم عيد الأم لا أحد يتذكرها على مدار سنوات ماضية، وكأن علاقتهم بها اقتصرت على إرسال المبلغ كل أول شهر.

فى ذات الدار التقينا بـ«هدى»، تبلغ من العمر 70 عامًا، أنها لديها ابن وحيد حملت به بعد معاناة طويلة مع الأطباء، قائلة لو كنت أعرف أن هذه ستكون النهاية لما بحث وكلفت نفسى كل هذه المتاعب السابقة لكى أكون أمًا، مضيفة أنها ظلت أكثر من خمسة عشر عامًا تتردد على الأطباء بحثًا عن علاج يمكنها من إنجاب طفل وعندما جاء ابنها كانت السعادة تملؤها حتى توفى والده وهو فى عمر السابعة، مؤكدة أنها رفضت الزواج وكرست حياتها لتربية ابنها الوحيدة، حتى تخرج من الجامعة وأصبح مهندسًا، وجاء اليوم إلى طالما حلمت به وهو يوم زفافه، وتقدم لزميلة له فى العمل، ولكنها اشترطت عليه أن تسكن وحدها فى الشقة، ولضيق الحال عرضت عليه أن يرسلنى لدار مسنين، فرحب على الفور، وهنا شعرت أن سنوات العمر ضاعت هباء، الابن الذى كرست حياتها من أجله وأفق دون تردد على ذهاب أمه إلى دار مسنين، مضيفة أنه كان فى البداية يأتى إليها كل فترة وحين، ثم أصبحت الزيارات مقتصرة على المناسبات، واليوم انقطعت الزيارات نهائيًا.

وقالت الدكتورة رشا الجندى، مدرس الصحة النفسية بجامعة بنى سويف، إن أكثر شىء يوجع الأم أو الأب بشكل عام هو نكران أبنائها الجميل، مضيفة أن الأب والأم يعتبران نفسيهما بخير طالما كان أبناؤهما بخير، حتى وإن كانت لديهما أزمات فطالما كان أبناؤهما بخير يستطيعان أن يتجاوزا كل الصعاب بسلام، والعكس صحيح فإذا كان للأب والأم كنوز الدنيا وأبناؤهما لا يبرونهما يؤثر بالسلب فى نفسيتهما».

وأكدت أنها دائمًا ما تقول لطلابها فى الجامعة إذا اراد الابن أو الابنة أن يكرمها الله فعليها ببر الوالدين، لافته أن بر الأم لا يكون بشروط، فيجب على الأبناء أن يبروهما، لأن حب الأم دون شرط، وهكذا أوصانا الله ببر الوالدين إحسانًا، مؤكدة أن أى مبرر يضعه الأبناء لكى يبتعدوا عن أمهاتهم غير مقبول مهما كان نوعه.

 

وأوضحت أن هناك مشكلة فى التواصل فى الوقت الحالى بين الأبناء وأمهاتهم، وهناك نقص فى العاطفة، مضيفة أن وسائل التواصل الاجتماعى أبعدت الأبناء عن أمهاتهم، مضيفة أن الأبناء عليهم أن يراعوا أمهاتهم بعد الكبر وأنه يجب وضع قانون لمثل هذا الموقف، لكون أن هناك حالات نجد الأبن أو الأبنة يتنصلون من مسئولية أمهاتهم عند الكبر، وعن أسباب تنصل الأبناء من مسئولياتهم تجاه الأمهات، أكدت أنها أسباب قدرية، نتيجة أن هناك أبناء صالحين وهناك أبناء غير صالحين، وأكدت أن التربية ليست لها علاقة بالصلاح، لكوننا نرى أن هناك ابنًا صالحًا والآخر ليس صالح والاثنان تربيا فى منزل وأحد ولأب وأم واحدة، ولكن هناك أبناء ليست لديهم درجة من العاطفة أو الإنسانية، فبالتالى لا يهمهم آباءهم أو أمهاتهم.

وعن الأمهات اللاتى يربين أبناءهن بمفردهن بعد طلاقهن من أزواجهن أو وفاة أزواجهن، أكدت الدكتورة رشا الجندى على ضرورة أن يكون هناك أب بديل للأبناء، وهذا ليس تشجيعًا على الزواج وترك الأبناء، ولكن الأب البديل من الممكن أن يكون الخال أو الجد أو الأخ الأكبر، مضيفة أن الأبناء يحتاجون إلى دور الأب فى حياتهم، لافتة إلى أنهم كأطباء بحثوا فى علم النفس ولم يجدوا أن هناك أمًا استطاعت أن تقوم بدور الأب بشكل كامل، رغم أنها أوفت باحتياجات أبنائها ماليًا، ولكن سيكلوجيًا لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور.