جلال الشرقاوى ملك المسرح السياسى الذى خذله هولاكو
جلال الشرقاوى، أحد أعمدة المسرح. رحل وفى داخله حلم تمنى أن يحققه، وهو مسرحية هولاكو، ولكن للأسف الجميع خشى مشاركته الحلم، لكونه رسالة مباشرة ضد تخاذل حكام العرب. جلال الشرقاوى صاحب المسرح السياسى، بدون مواعظ أو رسائل مباشرة، مسرحه تسجيل للواقع، لا يوجد بينه وبين المواطن ومشاكله أى مسافة، يبدو رفضه لعصرين بقوة، عصر عبدالناصر وعصر السادات، فرغم أن الستينيات كانت من أزهى عصور المسرح بكل أنواعه، إلا أن جلال الشرقاوى يرى أن الفترة التى سبقت عام 1967 كان هناك منع للمسرح السياسي، ويعلل ذلك بمنع مسرحيته «أنت اللى قتلت الوحش»، ويرى أن عصر الرئيس أنور السادات، وخلال فترة حكمه لم تُمنع له مسرحية، ومع قدوم عهد الرئيس حسنى مبارك، مُنع عرض الكثير من أعماله.
جلال الشرقاوى كُرم مرات عِدة على مدار تاريخه الفنى الطويل، وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون، وعدد من الأوسمة، بالإضافة إلى نحو 50 شهادة تقدير من جهات رسمية فى مصر، مثل الجيش ووزارة الداخلية، وكرم من أكاديمية الفنون. اسمه مرتبط بالمسرح، رغم تقديمه أعمالًا عدة ناجحة على الشاشتين البيضاء والفضية.
جلال الشرقاوى ولد فى 14 يونيو 1934 حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة عام 1954، ودبلوم خاص تربية وعلم النفس من جامعة عين شمس 1955 وبكالوريوس المعهد العالى للفنون المسرحية بتقدير امتياز عام 1958، ودبلوم إخراج من معهد جوليان برتو للدراما فى فرنسا عام 1960، ودبلوم إخراج من المعهد العالى للدراسات السينمائية من فرنسا عام 1962.
عمل فى أول حياته مدرسًا للعلوم وشغل خلال مشواره الفنى عدة وظائف منها مدرس التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية أكتوبر 1962، ومدير مسرح توفيق الحكيم 1967، وأستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية ورئيس قسم التمثيل والإخراج 1975، وعميد المعهد العالى للفنون المسرحية سنوات 1975 و1979. كان أستاذًا متفرغًا بالمعهد من سنة 2006. شارك خلال حياته المسرحية فى عدة فعاليات ومهرجانات مسرحية عربية منها «مهرجان دمشق المسرحى» عامى 1968 و1969 و«مهرجان بابل المسرحى» 1987 وغيرها.
ألّف عدة كتب فى مجال المسرح والسينما، يذكر منها «مدخل إلى دراسة الجمهور فى المسرح المصرى باللغة العربية»، و«السينما فى الوطن العربى»، و«حياتى فى المسرح»، محاولة فى تاريخ السينما المصرية – باللغة الفرنسية «يونيسكو» عام 1962 ثم باللغة العربية عام 1966، النـقد ومسرح جلال الشرقاوى باللغة العربية – هيئة الكتاب عام 2001، الأسس فى فن التمثيل والإخراج المسرحى باللغة العربية – هيئة الكتاب عام 2002.
مثّل فى مسلسلات مثل ملحمة الحب والرحيل فى الأردن ومسلسل «المفسدون فى الأرض»، و«العابثة»، و«قصة وعشر مؤلفين»، و«الذئب الأزرق»، و«بعثة الشهداء»، و«الرجل الذى هوى»، و«حجرة البدرون»، و«ميراث الغضب»، و«الثمن»، و«عشاق لا يعرفون الحب»، و«أعمدة المجتمع»، و«الحاج أحمد لا يكذب»، و«الخاتم»، و«التحدى»، و«الحب وأشياء أخرى»، و«أيام المنيرة»، و«لعبة كل بيت»، و«أحلام الفجر الكاذب»، و«درب ابن برقوق»، و«آخر الخط»، و«القرار الأخير»، و«العمر بالمقلوب»، و«أشرار وطيبين»، و«على باب مصر». أخرج العديد من السهرات والمسلسلات للتليفزيون المصرى منها «أبلة فهيمة»، و«أغنية الصمت»، و«شىء مكتوم»، و«سارة إلى الأبد»، و«المجانين».
قام بإخراج العشرات من المسلسلات الإذاعية لإذاعة الكويت منها «الحرب والسلام»، و«تولوستوى»، و«عمر الخيام»، و«أحمد رائف».
أخرج ثلاثة أفلام من إنتاج الدولة وفيلمًا من إنتاجه، ومن هذه الأفلام «امرأة وثلاث بنات» و«العيب» و«الناس اللى جوه»، ومثل فى «أمهات فى المنفى»، و«خللى بالك من عقلك»، و«من خاف سلم»، و«موعد مع القدر»، و«البدرون».
كما قام ببطولة العديد من المسرحيات أهمها «الاستثناء والقاعدة»، و«يا طالع الشجرة»، و«الحصار»، و«تحت المظلة»، و«أنت اللى قتلت الوحش»، و«دون كيشوت»، و«ترويض النمرة»، و«البغبغان».
تسبب مشهدًا فنيًّا له فى السينما فى أزمة له، حيث وضع صورة للرئيس جمال عبدالناصر، بينما يدور حوار بين أحد الأبطال مدعى التدين والبطولة، حيث سألته البطلة: كيف يمارس كل هذا الفساد وهو يؤدى الفروض ومتدين؟.. وهنا لعبت صورة عبدالناصر دورًا، ولأن اللقطات بين وجه الممثلة والممثل وصورة عبدالناصر أعتبر ذلك إسقاطًا سياسيًّا.
تعرف المخرج جلال الشرقاوى على سهير البابلى من خلال متابعته لها فى المسرح القومى وكان يعمل حينها فى مسرح «الحكيم» وأراد ضمها فى أول عرض أخرجه وكان بعنوان «آه يا ليل آه يا قمر» وهو أول تعاون بينهما، ومن ثم جاءت «مدرسة المشاغبين» و«ع الرصيف» التى تنتمى إلى المسرح السياسى. تميزت سهير البابلى فى «مدرسة المشاغبين» ولعبت دور «أبلة عفت» وخلال عرض مدرسة المشاغبين كانت سهير على خلاف مع عادل إمام وسعيد صالح لكثرة ارتجالهما، وهو ما دفع عادل إمام إلى الانسحاب أمام الجمهور، كما انسحبت سهير مرتين حتى حلت مكانها ميمى جمال ثم نيللي.
جلال الشرقاوى يرى أن المسرح بدأ سياسيًّا منذ المسرحية الإغريقية «سوفوليتس»، وللمسرح عدة تعريفات فهناك من يقول إنه هو الذى يهتم بقضايا الإنسان كالحرية ونظم الحكم والحرب والسلام، وهناك من يعرف المسرح على أنه الذى يتعرض إلى كل ما يمس الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهو يميل إلى هذا التعريف خاصة ونحن نعيش فى عصر تشابكت فيه هذه الأبعاد الثلاثة بحيث تشكل بعدًا واحدًا، فلا نستطيع أن نفصل البعد الاقتصادى مثلًا عن حياة الناس، أو نفصل السياسة عن يومهم ومشاكلهم الاجتماعية، فالشاب الذى يرغب فى الزواج، ويبحث عن وظيفة، ويبحث عن شقة ويعانى من ضيق ذات اليد فيضطر للعمل بصورة مضاعفة.. هذه الحدوتة الاجتماعية الشكل هى فى الأصل سياسة، وهكذا فالشكل لا يهم المهم هو المضمون الذى لا يخرج عن الإطار السياسى.
المخرج جلال الشرقاوى يؤكد فى أحد حواراته: غيرنا المنهج تمامًا فى التسعينيات واستفدنا من مناخ الحرية، فبعد أن كانت الروايات تتخذ من الرمز والإسقاط وسيلة لتوصيل رسالتها السياسية أصبح هناك منهج جديد يسمى الأشياء بأسمائها دون الحاجة إلى التلميح بالإسقاط أو بالرمز, حدث ذلك فى روايات «افرض» و«راقصة قطاع عام» و«ع الرصيف» و«انقلاب» و«دستور يا سيادنا».. ولم نكتف بالإشارات الصريحة فقط بل جسدنا الشخصيات والأحداث أيضًا، فشاهدنا جمال عبدالناصر والسادات وغيرهما فى روايتنا وبذلك سبقنا السينما والتليفزيون فى تقديم صورة الزعيم وحطمنا أسطورة أن الزعيم لا يظهر فى الأعمال الفنية التى كانت سائدة.
جلال الشرقاوى، مؤمن بأنه لا يوجد مسرح سياسى، بل إن المسرح هو السياسة فى كل ما يطرحه من قضايا، وأنا أزعم أنى أنشأت المسرح السياسى المباشر فى مصر، وبالتالى فى العالم العربى، فكان مسرحًا مباشرًا من حيث التعبير عن الشخصية والمكان بكل صراحة ومباشرة، مثل مسرحية «على الرصيف» و«دستور يا سيادنا».
هناك مشروع مسرحى بعنوان «هولاكو» يقال إن معظم النجوم اعتذروا عنه، وقال عنه جلال الشرقاوى: «سأعقد مؤتمرًا صحفيًّا خلال أيام لكشف حقائق تتعلق بهذه المسرحية التى أثارت أزمة أخيرًا، حيث أرجأت تقديمها بسبب احتوائها على مشاهد تسيء إلى الحكام العرب».
تجربة «مسرح مصر»، قائلاً: «هذه جريمة فى حق مصر، فهو عبارة عن اسكتشات ولا يجب ربطها باسم مصر»، منتقدًا ما يقدمه محمد رمضان من أفلام بقوله: «ما يقدمه من فن هو مسىء للمجتمع ونوع من أنواع الإرهاب وهو ممثل عادى ويجب أن يوظف موهبته لخدمة المجتمع بعيدًا على العظة المباشرة، مؤكدًا أنه ليس خريج المعهد العالى للتمثيل ولكنه التحق به لاحقاً».
واستعرض «الشرقاوى» دور الرقابة على الأعمال المسرحية والسينمائية خلال السنوات السابقة، قائلاً: «فى عهد جمال عبدالناصر تم نشر القمع بعد 1967 وبعدها بقليل، حيث تم منع مسرحية «أنت اللى قتلت الوحش» وتمت إحالتى أنا شخصيًّا للتأديب لأول مرة فى حياتى لمسرحية «عمرو وخالد» قبل عرضها، أما فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات فلم أجد أية مشكلات معه، وعهد حسنى مبارك كان مأساة، فمسرحى شمع بالشمع الأحمر 3 مرات وحاصرته سيارات الأمن المركزى مرتين».
وحول عصر الإخوان قال: «اعتبره كأنه لم يكن».