بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

تعرف على قصة الصحابى أنس بن مالك وكتمان السِّر

بوابة الوفد الإلكترونية

ومن الصَّحابة -أيضاً- الذين كانوا من أصحاب سرِّ رسول الله ﷺ: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقد جاء في صحيح البخاري عن أنس قال: أسرَّ إليَّ النَّبيُّ ﷺ سِرِّاً فما أخبرت به أحداً بعده، ولقد سألتني أمُّ سليم فما أخبرتها به"[رواه البخاري5931]. 

 

وفي رواية مسلم قال أنس: "أتى عليَّ رسول الله ﷺ وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلَّم علينا فبعثني إلى حاجةٍ فأبطأت على أمِّي، فلمَّا جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله ﷺ لحاجةٍ، قالت ما حاجته؟ قلت: إنَّها سرٌّ" الولد إذا فهم يكتم حتى عن أمِّه فما هو موقف الأمُّ الواعية في هذه الحالة؟ هل تقول له: أنا أمُّك ولا بدّ أن تخبرني ولي عليك حقٌّ ولا تخبأ عني؟ كلا هو سرٌّ لا يجوز إفشاؤه، ثُمَّ هو سرٌّ من النَّبيِّ ﷺ، فكان موقف الأم أن قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله ﷺ أحدًا، قال أنس: والله لو حدَّثت به أحداً لحدثتك يا ثابت"[رواه مسلم2482].

 

 لأنَّ ثابت هو الذي يرويه عن أنس. وفي رواية أحمد قال أنس: "كنت ألعب مع الغلمان فأتانا رسول الله ﷺ فسلَّم وأخذ بيدي فبعثني في حاجةٍ وقعد في ظلِّ حائطٍ أو جدارٍ حتى رجعت إليه، فبلَّغت الرِّسالة التي بعثني فيها، فلمَّا أتيت أمَّ سليمٍ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني النَّبيُّ ﷺ في حاجةٍ له، قالت: وما هي؟ قلت: سرٌّ، قالت: احفظ على رسول الله ﷺ سرَّه، قال: فما حدَّثت به أحداً بعد"[رواه أحمد12079].

 

 وفي رواية أيضاً لأحمد: عن قول أمِّه -أم أنس- قالت: أي بُنيَّ: فاكتم على رسول الله ﷺ سرَّه"[رواه أحمد12807].

 

  وروى ثابتٌ عن أنس قال: "خدمت رسول الله ﷺ يوماً حتى إذا رأيت أنِّي قد فرغت من خدمته قلت: يقيل رسول الله ﷺ" يأخذ الآن في القيلولة ففرصةٌ لي أن أذهب وأرُّوح عن نفسي "فخرجت إلى صبيان يلعبون، قال: فجاء رسول الله ﷺ فسلَّم على الصِّبيان وهم يلعبون فدعاني رسول الله ﷺ فبعثني إلى حاجةٍ له فذهبت فيها وجلس رسول الله ﷺ في فيء حتى أتيته واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت آتيها فيها" حسب الموعد المحدَّد كُلَّ يومٍ فهي متعوِّدة أنَّ ولدها يأتيها فيه "فلمَّا أتيتها قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله ﷺ في حاجة له، قالت: وما هي؟ قلت هو سرٌّ لرسول الله ﷺ، قالت: فاحفظ على رسول الله ﷺ سرَّه، قال: ثابت قال لي أنس: لو حدَّثت به أحداً من النَّاس لحدَّثتك به يا ثابت".

 

 

 وذلك من عظم مكانة ثابت عند أنس؛ لأنَّه من أخصُّ طلابه وأفضلهم، وفي رواية لأحمد أيضاً: أنَّ ثابت قال يا أبا حمزة أتحفظ تلك الحاجة اليوم أو تذكرها بعد عشرات السَّنين؟ قال: أي والله وإنِّي لأذكرها، ولو كنت

محدِّثاً بها أحداً من النَّاس لحدَّثتك بها يا ثابت"[رواه أحمد 13404].

 

 ولذلك قال أنس : "إنَّ للنَّبيِّ ﷺ عندي سراً لا أخبر به أحداً أبداً حتى ألقاه"[رواه أحمد 14011]. رواه أحمد. وهذا السِّرُّ كما توقَّع بعض الشُّرَّاح قال ابن حجر في الفتح: "قال بعض العلماء كأنَّ هذا يختصُّ بنساء النَّبيِّ ﷺ، وإلَّا فلو كان من العلم ما وسع أنساً كتمانه"[فتح الباري11/82].

 

إذاً: هذا ليس من العلم قطعاً؛ لأنَّ كتم العلم لا يجوز، فسيكون هذا من الأسرار التي تختصُّ بأهل النَّبيِّ ﷺ، أيضاً من الصحابة الذين كانوا مشهورين بحفظ سرِّ النَّبيِّ ﷺ: حذيفة، ولذلك استكتمه أسماء جماعةً من المنافقين، وكذلك ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أذن له ﷺأن يسمع سواده حتى ينهاه، وكذلك فقد جاء في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنه، قال: أردفني رسول الله ﷺ خلفه ذات يومٍ فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أُحدِّث به أحداً من النَّاس، ثُمَّ ذكر قصَّة الجمل وفيها: أنَّ النَّبيَّ ﷺ دخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا جملٌ، فلمَّا رأى النَّبيَّ ﷺ حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبيُّ ﷺ فمسح ذفراه فسكت، فقال ﷺ: من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إيَّاها؟ فإنَّه شكى إليَّ أنَّك تجيعه وتدئبه [رواه أبو داود2551، وصححه الألباني في صحيح أبي داود2297].

 

 يعني: تواصل عليه العمل حتى أرهقته جداً، وهذا من المعجزات النَّبوية: أنَّ الجمل كلَّم النَّبيَّ ﷺ، وهذا من القصص التي من المستحسن أن تُذكر للأطفال وتقصُّ عليهم، فإذاً: هناك عددٌ من الصَّحابة أسرَّ إليهم النَّبيُّ ﷺ بأسرارٍ وكتموها، وكانوا نعم الصُّحبة للنَّبيِّ ﷺ؛ اصطفاهم الله على العالمين، وكان من اصطفائهم لأنَّ الله علم أنَّ فيهم من الخصائص والمزايا ما لا يوجد في غيرهم.