مفهوم الضروريات الخمس فى الشريعة الإسلامية
جاءت الشريعة الإسلاميّة؛ لتحقيق مصالح العباد في العاجل، والآجل، إلّا أنّ الفقهاء اختلفوا في مسألة العِلّة والغاية من الأحكام التشريعيّة؛ فذهب الرازي إلى أنّها غير مُعلّلةٍ، بينما ذهب أكثر الفقهاء المُتأخِّرين إلى أنّ الأحكام مُعلّلة برعاية مصالح العباد، ومن الأدلّة الشرعيّة التي تُثبت ذلك قوله -تعالى-: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).
ومن الأدلّة التي تُثبت العِلّة من الأحكام التفصيليّة في الكتاب، والسنّة قول الله -تعالى- في الصيام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وهذه الحقيقة كما ذهب الشاطبيّ مُستمِرّةٌ في تفاصيل الشريعة جميعها.
ومقاصد الشريعة الإسلاميّة على ثلاث مراتب؛ فإمّا أن تكون ضروريّة*، أو حاجيّة*، أو تحسينيّة*.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المقاصد الضرورية تُعَدّ الأصل للمقاصد الحاجيّة، والتحسينيّة، فاختلال الأمر الضروريّ يُؤدّي إلى اختلال الأمر الحاجيّ، والتحسينيّ، أمّا اختلالهما فإنّه قد لا يُؤدّي إلى اختلال الأمر الضروريّ،[٤] وقد ذهب الإمام الشاطبيّ، وابن حلولو إلى اعتبار التكامُليّة في العلاقة بين المَقاصد الثلاثة؛ فالحاجيّات، والتحسينات تُكمّل الضروريّات، وتُتمّمها، والتحسينات مُكمِّلةٌ للحاجيّات، ورغم ذلك تبقى الضرويّات أساس المصالح كلّها.
وتُعرَّف الضروريّات بأنّها: المقاصد، والغايات التي لا بُدّ منها لتحقيق مصالح العباد في الدنيا، والآخرة، وبفقدها لا تتحقّق تلك المقاصد، والحفاظ عليها من أسباب استقامة مصالح الدنيا، والعباد، ويكون الحفاظ عليها بإقامة أركانها، ودَفع أيّ خَلَلٍ يقع، أو يُتوقَّع حدوثه.
وقد ثبتت الضروريات بأدلّةٍ كثيرةٍ تنصّ صراحةً عليها؛ ولذلك اتّسمت تلك الضرويّات بسِمة اليقين والقطعيّة دون خِلافٍ بين العلماء في ذلك، كما ساهم منهج الاستقراء في إثباتها، ويُقصَد بالاستقراء: النظر والتأمُّل في النصوص والأدلّة، والبحث في جزئيّات الشريعة، وأحكامها؛ بهدف إثباتها.
وممّا دلّ على الضروريات الخمس من الآيات الجامعة قول الله -تعالى-: (قُل تَعالَوا أَتلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلّا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَلا تَقتُلوا أَولادَكُم مِن إِملاقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإِيّاهُم وَلا تَقرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ*وَلا تَقرَبوا مالَ اليَتيمِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ بِالقِسطِ لا نُكَلِّفُ نَفسًا إِلّا وُسعَها وَإِذا قُلتُم فَاعدِلوا وَلَو كانَ ذا قُربى وَبِعَهدِ اللَّـهِ أَوفوا ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ*وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ).