بالقانون .. يتصالح الشعب مع الشرطة
اتخذت العلاقة بين الشرطة والشعب وضعا مقلوبا لعدة عقود مضت، كان المواطن البسيط يخشى أن يقترب من قسم الشرطة ويتجنب المرور أمامه خوفا من أن يتعرض للشبهة، وازدادت قبضة الشرطة في عهد "مبارك" ليتحول المواطن إلى متهم بصورة دائمة أمام ضباط وأمناء الشرطة الذين تحول بعضهم من ذراع للقانون تأخذ حق الضعيف من القوي، إلى بلطجية يمارسون فرض الإتاوات على الناس في إدارات المرور، وجلادين في أقسام الشرطة، وجبابرة في مباحث أمن الدولة، وتوهم بعض الضباط أن المواطنين عبيد لديهم يأتمرن بأوامرهم ويعملون في خدمتهم، وهذا الوهم عبرت عنه الكلمات التي تساقطت على لسان مدير أمن البحيرة السابق الذي طلب من مرؤوسيه التعامل مع المواطنين معاملة السيد للعبد. وهؤلاء الأسياد تفانوا في إظهار عبوديتهم للأسرة "المباركية" الحاكمة التي ظن أفرادها أنهم جاثمون على صدور المصريين إلى الأبد، يتوارثون ملكهم عبر الأجيال، لكن الله خيب ظنهم عندما أراد المصريون إزاحة الطغاة لتتنفس مصر الصعداء وتنعم بالحرية. وقبل هذه الخطوة وبعدها نفذ هؤلاء الضباط رغبة الطغاة في بث الرعب في نفوس المواطنين، فأسالوا الدماء الطاهرة لمئات الشهداء الذين دفعوا أرواحهم هدية غالية من أجل أن تنعم مصر بمستقبل مشرق، وانسحب قادة الداخلية وتركوا الساحة لأتباعهم من البلطجية الذين ربوهم على مدى السنوات الماضية، فانتشروا في الشوارع ونزعوا الأمن من قلوب الناس، وانقض المأجورون عملاء الحزب الوطني على المتظاهرين في ميدان التحرير بالجمال والعصي، لكن تماسك الشعب المصري صد هؤلاء وأولئك عن مخططاتهم التي لم تتوقف إلى اليوم، وذهبت أذهانهم إلى اللعب على أخطر ملف مصري؛ ملف الطائفية يبغون أن يشعلوا مصر نارا ويتركوها رمادا، لكن هذا الوطن مليء بالعقلاء الواعين لخطط التدمير.
إذا كانت الفجوة موجودة بين الشعب والشرطة قبل ثورة 25 يناير، إلا أنها ازدادت اتساعا مع الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها الشرطة بعد اندلاع الثورة، ولن تعود الثقة بين الجانبين في أيام قلائل، وإنما ستأخذ وقتا حتى يطمئن المواطن إلى رجل الشرطة. وقد أظهر وزير الداخلية الجديد اللواء منصور العيسوي حسن النية عندما أعلن عن الاعتذار الرسمي لأفراد الشعب وأسر الشهداء عما صدر من ضباط الشرطة ووزارة الداخلية تجاه المتظاهرين في ثورة 25 يناير، وهذه بادرة تدل على الاتجاه إلى إصلاح جهاز الشرطة وبدء عهد جديد مع الشعب يقوم على الندية، ويبتعد عن الاستعلاء على المواطن العادي أو التعامل معه بمنطق السيد والعبد. هذه الخطوة تستدعي العديد من الخطوات الأخرى التي تضمنها مشروع مبادرة المصالحة، والذي اشتمل على ضرورة محاكمة كل من ثبت تورطه في أحداث 25 يناير، والاتفاق على عقد أمني جديد بين الشرطة والشعب قائم على احترام حقوق الإنسان، وتشكيل لجنة شعبية للرقابة على أداء الشرطة بعد إعادة الهيكلة.
الواقع الجديد الذي فرضته الثورة يقتضي تفعيل القانون، وأن يكون الجميع سواء أمامه، وأن يتفهم ضباط وأمناء الشرطة أن