بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

المشير و العزل وترسانة قوانين الإخوان

 قرار "المحكمة الدستورية العليا" الصادر أمس السبت (21إبريل) , جاء ليضفى مزيداً من التعقيدات والإرتباكات على المشهد السياسى ..أعنى القرار  بعدم إختصاصها بنظر "قانون العزل", حيث كان المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى ,

قد أحال إلى الدستورية العليا "مشروع القانون" الذى تم إقراره من مجلس الشعب مؤخرا ,طالباً من المحكمة "إبداء الرأى" فيه , هذا المشروع بقانون  هو   لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية , وهو مُعد خصيصاً   لمنع  عمر سليمان, و أحمد شفيق , من الترشح لرئاسة الجمهورية , بقصد إخلاء ساحة المنافسة أمام مرشح الإخوان المهندس خيرت الشاطر ,أو بديله الدكتور محمد مرسى.
يبدو قرار المحكمة الدستورية العليا قراراً سياسياً , يتنصل من التصدى لمسألة قانونية هى من صميم إختصاصها ,  يؤكد ذلك سرعة الرد على الطلب , إذ لم يستغرق الطلب لدى المحكمة نحو 48 ساعة , وهى سرعة غير معهودة فى  المحكمة ولا غيرها من المحاكم ..و مادام الحال كذلك فإن هناك مجموعة من الملاحظات والسيناريوهات لإدارة أزمة هذا المشروع بقانون ,وليكن فيما يلى:  
أولا:   أن صيغة الكتاب الموجه من المشير إلى المحكمة الدستورية ربما هى التى أعطت المحكمة الفرصة للتنصل , ذلك أن المشير طلب "إبداء الرأى" فى مشروع القانون يتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية , وهذه الصياغة للطلب عليها ملاحظات نوجزها فيما يلى :
  - أن المحكمة ليست مختصة أصلاً ب"إبداء الآراء" لأى جهة أو سلطة , وإلا تحولت إلى "هيئة إستشارية" للمجلس العسكرى , وهذا لا يجوز قانوناً , ولا يليق أن تبدى المحكمة الدستورية العليا "آراء" , قد يؤخذ بها أو لايؤخذ .
- أنه كان على المسؤل بالمجلس العسكرى الذى تولى صياغة الكتاب الموجه للمحكمة الدستورية العليا , أن يراعى تماشى الطلب وتوافقه مع نص المادة 28 بالإعلان الدستورى , إذ تنص الفقرة الخامسة من هذه المادة على أن يعرض مشروع قانون إنتخابات الرئاسة على المحكمة الدستورية العليا ,ل"بحث مدى مطابقتة للدستور" , بمعنى انه كان على العسكرى أن لا يطلب فى خطابة للمحكمة ,أن "تبدى الرأى" , وإنما يطلب إليها أن تبحث"مدى مطابقة التعديل المرفق لمواد الإعلان الدستورى", ومنوها إلى  أن مشروع القانون المحال إليها , يتناول بالتعديل شروط الترشح المنصوص عليها ب"قانون إنتخابات الرئاسة" , بأن يضيف إليها شرطا جديدا , وهو ألا يكون المرشح للرئاسة قد شغل منصب الرئيس او نائبه فى نظام مبارك , وهو شرط لم يرد فى قانون إنتخابات الرئاسة , ولا فى الإعلان الدستورى الذى أورد شروط الترشح للرئاسة فى صلب مواده أرقام 26 , و27 ,كما ان عليه أن يكشف المآخذ الدستورية الأخرى على مشروع القانون.. ولئن كان العسكرى قد راعى هذه  الإعتبارات  فى صياغة كتابه للمحكمة , لكان قد ألزمها دستورياً وقانويناً , بوجوب ممارسة إختصاصها, وهو ما يسمى هنا ب"الرقابة السابقة" الموكولة إليها فى هذه الحالة.    
ثانياً :  الأصل هو أن المحكمة الدستورية العليا  تختص ب"الرقابة  اللاحقة" على دستورية القوانين واللوائح  (مادة 25 من قانون المحكمة رقم 148 لسنة79 وتعديلاته) , ولها أن  تقضى بعدم دستورية اى نص قانونى او لائحى يعرض عليها بمناسبة ممارسة إختصاصها" ( مادة 27) , وتوضيحا للمعنى .. كأن يصدر قانون العزل مثلا . ويترتب عليه صدور قرار من إحدى الجهات الإدارية ضد شفيق أو غيره ,هنا يطعن شفيق على القرار الإدارى امام محكمة القضاء الإدارى , ويدفع بعدم دستورية النص القانونى الذى أستند إليه"القرار" , بحُسبان أنه يحرمه من إحدى حقوقه أو حرياته المنصوص عليها بالدستور..فإذا رأى القاضى جدية الدفع بعدم دستورية النص , يوقف نظر الدعوى , ويحيل إلى المحكمة الدستورية النص المدفوع بعدم دستوريتة , كى تقضى إما بدستورية النص  من عدمه, فهذا ما يسمى ب" الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين", وتكمن المشكلة هنا ان قرارات لجنة إنتخابات الرئاسة نهائية , ولا يجوز الطعن عليها قضائيا.
  ثالثاً:ومادام هذا هو قرار المحكمة ,فإننا  نكون امام سيناريوهات للتعامل مع مشروع القانون على النحو التالى:
1- أن يُصدر المشير قانون العزل , ويأمر بنشره فى الجريدة الرسمية ومن ثم يصير نافذا من اليوم التالى لنشره , وهنا لا يجوز تطبيقه بأثر رجعى , وإنما من المؤكد ان يتقدم  متضررين من ترشيح شفيق مثلا ب" إعتراض" ,إلى لجنة إنتخابات الرئاسة, و مثل هذا الإعتراض  يتقدم به أحد المنافسين , لانه لا يجوز  الإعتراض  لغير مرشحى الرئاسة , وهنا فقد ترفضه اللجنة لأن باب الإعتراضات   امامها قد تم إغلاقه يوم   11 إبرايل .
2- أن يعيد المشير مشروع القانون إلى المحكمة الدستورية العليا , موضحا لها بصريح العبارة ان هذا المشروع يتناول بالإضافة  "شروط الترشح"  لرئاسة الجمهورية , المنصوص بقانون الإنتخابات الرئاسية   , وانه يطلب من المحكمة الدستورية العليا أن تبحث "مدى مطابقة المشروع للإعلان الدستورى" , ويمكنه توضيح باقى المآخذ الدستورية عليه , أى يطلب صراحة بحث"مدى المطابقة للإعلان الدستورى" , وليس إبداء الرأى , فالمحكمة أصلا ليست مختصة بإبداء الآراء فى هذا القانون او غيره , وإنما هى مختصة بالرقابة على دستورية القوانين , واحكامها ملزمة للكافة . 
3 – أن يقوم المشير بتكَليف رئيس الوزراء , بأن يحيل الأخير  مشروع قانون عزل عمر سليمان وأحمد شفيق إلى مجلس الدولة ( قسم التشريع), كى يراجع المشروع , وذلك طبقا للمادة 64 بقانون مجلس الدولة  رقم 47 لسنة 72    .
4- أن يمتنع أو يصمت العسكرى عن إصدار القانون , أو يرفضه صراحة , فله طبقا للمادة 56 بند 5 بالإعلان الدستورى " حق إصدار القوانين او الإعتراض عليها", وهو غير مُلزَم بإبداء الأسباب أو بمواعيد أو بمجرد الرد أصلا .
رابعاً :إذا إختار "المشير" أن يُصدِر  مشروع قانون العزل ,  كما أرادته جماعة " الأخوان المسلمين" ,وأتباعهم السلفيين , فإن عليه أن يستعد لإصدار "ترسانة القوانين" التى بدات تخرج من أدراج مرشد الجماعة , على غرار قانون إلغاء الأمن المركزى , وربما حل جهاز الشرطة , والعفو الشامل عن الجرائم السياسية منذ مقتل السادات وحتى سقوط مبارك , ونقل تبعية جهاز الأمن الوطنى لمجلس الشعب , أو لمكتب المرشد مباشرة ,بدلا من اللف والدوران , وإطلاق اللحى  للعاملين بالجيش والشرطة , وغير ذلك  من القوانين التى تصب كلها فى طريق تمكين الإخوان من مفاصل الدولة ومراكز القوة والسلطة فيها ..فإذا كان هذا هو المسار , فليسامحنى المشير , ويأذن لى بأن أنصحه بأن يسارع بإطلاق لحيته , وليسلم البلد لمولانا المرشد من الآن, ولينصرف إلى حال سبيله  , ولا داعى للإنتظار حتى إجراء إنتخابات الرئاسة وإعداد الدستور , فكل هذا بلا جدوى , لأنه لأنه لن يتبقى شئ من البلد , يستحق الإنتظار.
[email protected]