بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

صيام الأبدان يلهم الأذهان

بوابة الوفد الإلكترونية

صلاح صيام

الناقد الفنى محمود قاسم: رمضان الذى يسكننا ونعيش من أجله

د.حامد طاهر: شهد مولد كتابى «عناقيد الحكمة».. و«المختصر فى الحب»

د. صلاح الراوى: مشروع ناجح للقراءة الهادئة الطويلة

رمضان شهر يحمل بين طياته عدة معان دينية وروحية.. ويأتينا كل عام فى وقت مختلف والعوام يصومون نهاره ويحاولون إحياء ليله بقدر المستطاع، فماذا عن المبدعين وماذا يمثل لهم هذا الضيف الكريم هل هو فرصة للراحة والاستجمام والبعد عن العالم المادى، والغوص فى الروحانيات والانكفاء على الذات، أم أنه ملهم للإبداع على اعتبار أن كثرة الطعام لا تعطى مجالا للعمل الذهنى، أم أنه مزيج من العمل الإبداعى، والنهل من بركته.. فى هذا التحقيق نحاول معرفة كيف يقضى المبدعون رمضان..

الكاتب والمؤرخ والناقد محمود قاسم‏:‏

لاشك أن رمضان له مكانة كبيرة فى حياة كل منا، فهو يمثل بالنسبة لنا أفضل ما فينا من ذكريات ومشاعر، إنه كائن حى، يعيش معنا وحتى إذا غادرنا رحنا نعيش من أجله.

إنه شهر الصيام، وقد صار مع السنين الطويلة التى مرت بنا بمثابة مستودع ذكريات خاصة بالنسبة لمن كان طفلا يعشق السينما، والكتب، ولمن كان جده هو الشيخ أحمد بدوى إمام وخطيب مسجد القومندان فى كرموز، وأيضًا الشيخ الذى يلتف حوله الناس كل يوم فى المسجد بين صلوات المغرب والعشاء، وبدأت أشعر أننى صرت كبيرًا والجلسة تضمنى مع من يكبروننى، وهكذا صار التواجد فى المسجد بمثابة العيد الحقيقي، حتى صرنا نعتمد على أنفسنا وكنا إذا أخذنا المصروف هرولنا إلى قاعات السينما فى حينا الشعبى القديم بكرموز، نشاهد أفلام العرض المستمر، قبل الإفطار وبعده أربعة أفلام بتذكرة واحدة وبنظام سل صيامك، وتفتحت مداركنا لنشاهد أنور وجدي، وفريد الأطرش، ويوسف وهبي، مائة وعشرون فيلما فى شهر واحد، وعلى مثل هذا العدد من المشاهدة كبرنا، أفيشات السينما تعلق أسماء الأفلام المنتظر عرضها، أوكازيون من نوع خاص، إنها شحنة مكثفة من الثقافة التى جعلتنا نقرأ الروايات المأخوذ عنها بعض هذه الأفلام فتتفتح أمامنا سبل المعرفة، نتعلم أن الفنون وحدة واحدة، الموسيقي، والفن التشكيلي، والثقافة لا تعنى القصص فقط بل أيضًا قراءة التاريخ، والفكر والفلسفة، وسير الشخصيات العظيمة فى كافة المجالات، وهكذا تحول شهر رمضان بكافة طقوسه إلى مستودع ذكريات، ومعرفة وعبادات، وتنوير فى المقام الأول، فى هذا الإطار أيضًا تبقى ذكريات أيام اكتوبر، كتيبة الاشارة بالبحر الأحمر أيام مليئة بالتوتر والحماس، وتحقيق الحلم، نحن الشباب المجند الذى رأى أن التجنيد وسيلة لتذوق طعم النصر، الأعصاب متوترة، والأخبار تثلج الصدر، إنها ذكريات لا تنسى، صار زملاء « القروانة» هم أسرتك المصرية البديلة، قد نموت معا، وقد نصاب معا، لكن لا شك أن الوطن مكان فى فرحة، إنه رمضان الذى لا ينسى.

ويقول الشاعر الكبير سمير عبدالباقى: رمضان كان زمان أيام المؤذن الذى كان يصيح فيألب الروح المعنوية للصائمين، وكان ذلك فى تجميع الأسرة وصلة الرحم الذى انقطع بسبب صعوبة المواصلات وزحمة الشوارع وكما قلت سابقًا: «رمضان من غير أبويا وأمى مفيش رمضان».. التليفزيون والمسلسلات حاصرت الناس فى بيوتهم ولم يعد هناك مكان للحكمة من الصوم وهى التقوى، وكما قال القائل: «نصوم عن حلاله ونعمل حرامه».. أين الصغار الذين يلعبون فى الشوارع فيشيعون البهجة والفرحة أين القمر الذى اختفى وراء العمارات الشاهقة فأنا الآن أجلس فى بلكونة منزلى لا لأشاهد ولكن لأراقب الخناقات التى تشتعل لأتفه الأسباب وأتامل العبارات التى تخدش الحياء وأشاهد عجز رجال المرور

عن تنظيمه، وأشهد ان رمضان تحول من شهر الزهد والتعالى على متع الدنيا إلى شهر الأكل والمظاهر والتنافس على شراء الأشياء مع ان الناس كل الناس مرهقة وغلبانة.

ويتفق معه الدكتور حامد طاهر فى أن رمضان كان زمان فهو يتذكر طفولته التى كانت فى حى الحسين حيث الأسر متوسطة الحال وكان يتاح لنا فرصة اللعب لفترة أطول من الليل فى هذا الشهر وكان لعبا بريئًا، وكان أهلنا يدفعوننا إلى الحياة الدينية وسماع القرآن والصلاة فى مساجد الحسين والسيدة زينب.. هذه الطفولة لا أجدها الآن بسبب ضيق الشوارع والسيارات المركونة فيها، والنوادى إن وجدت لا تؤدى هذه الروح الرمضانية اللهم إلا فى بعض الاحياء الشعبية.. وشهر رمضان فرصة كبيرة للقراءة.. فأنا قرأت كتاب الفتوحات الملكية لابن عربى وهو مجلد ضخم ملىء بالروحانيات فى رمضان، وكذلك ألفت كتابى «عناقيد الحكمة».. و«المختصر فى الحب».. والآن أتابع الكتابة فى وسائل الإعلام.

الدكتور عبدالوهاب بكر أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق يقول: رمضان هو شهر الراحة بالنسبة لى، فمعروف أن الجوع يؤدى إلى نقص نسبة السكر فى الدم، ويقل وصول الدم إلى المخ، وبالتالى أنا أرى أن هذا الشهر للاستجمام والراحة، فاجعله للصلاة وقراءة القرآن، والاستمتاع بصلاة التراويح، أى أنه إجازة إجبارية ولكنها لذيذة لأنها مرتبطة بالروحانيات وبعيدة عن الماديات التى طغت على حياتنا ومن ثم أفسدتها

المفكر الفلسطينى عبدالقادر ياسين يرى أن رمضان شهر العمل بالنسبة للمبدعين بسبب المكوث فى المنزل والمساحة الممتدة للتأمل والمراجعة واعتقد ان جميع الالهامات تأتى فى هذا الشهر الذى يحمل مجموعة من الطقوس والشعائر التى تضفى جلالا وهيبة مما يسهل كثيرًا للمبدعين مهمتهم.. وشهر رمضان شهد مولد أول كتبى العلنية بعد سلسلة كتب سرية وكان بعنوان «كفاح الشعب الفلسطينى قبل عام 1948» الذى انتهيت منه فى عام 1972 وصدر فى مايو 1975.. واعتبر كذلك ان رمضان راحة من التحرك وفرصة سانحة للكتابة المتأنية العميقة.

الدكتور صلاح الراوى أستاذ الأدب الشعبى يرى أن رمضان فرصة كبيرة للبعد عن الضوضاء التى فى الخارج ووضع مشروع للقراءة الهادئة الطويلة، وأتذكر أننى كتبت صفحة كاملة فى إحدى الصحف بعنوان «المصرى يحب على المذاهب الأربعة.. صيغ العشق عند المصريين».. دون أن يتعارض ذلك مع حرمة الشهر الكريم لأن اللغة كانت محترمة وهادفة.