بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

المشردون خارج حسابات الحزب الوطني‮!!‬

 

في‮ ‬شوارع القاهرة المزدحمة،‮ ‬تعيش فئات من الناس علي‮ ‬هامش الحياة،‮ ‬وهم مشردون ومرضي‮ ‬نفسيون وتائهون لا تشعر لهم الحكومة،‮ ‬ولا تهتم إن عاشوا أو ماتوا‮.. ‬أو إن كانوا جوعي‮ ‬أو مرضي‮ ‬أو بلا مأوي‮.. ‬هؤلاء بالمئات‮ - ‬وربما الآلاف‮ - ‬تجدهم نائمين علي‮ ‬الأرصفة وتحت الكباري،‮ ‬أو هائمين في‮ ‬الشوارع،‮ ‬انفصلوا عن الواقع،‮ ‬لا‮ ‬يعرفون ما‮ ‬يدور حولهم،‮ ‬وتغيب عنهم فكرة،‮ ‬أنهم ضحايا الحكومة‮.. ‬ وهم مهمشون من كل حدب وصوب،‮ ‬يجمعهم التيه في‮ ‬الأرض،‮ ‬ليلهم كنهارهم،‮ ‬صورة‮ ‬يومية متكررة،‮ ‬من الألم والعذاب والجوع والعراء‮.‬

وبالرغم من ان احتياجاتهم بسيطة،‮ ‬إلا أنهم‮ ‬يعانون الأمرين لسد هذه الاحتياجات،‮ ‬سواء كانت لقمة صغيرة من فاعل خير،‮ ‬أو بضعة قروش ممن امتدت إليهم أيديهم،‮ ‬أو قضمة من كيس قمامة‮.. ‬هكذا حياتهم‮.‬

إذا كانت الحكومة نسيتهم،‮ ‬فإن الله لن‮ ‬ينساهم‮.. ‬فكم من وعود قطعتها حكومات الحزب الوطني‮ ‬لحل مشكلات المشردين في‮ ‬الشوارع وتوفير مأوي‮ ‬لهم،‮ ‬ثم تتبخر هذه الوعود،‮ ‬ليلقي‮ ‬هؤلاء المعدومين مصير الحرمان والتشرد،‮ ‬وتم عليهم الأعياد دون أن‮ ‬يشعروا بها‮.. ‬ومن بعدهم فئة‮ ‬غالبة من الفقراء المهمشين‮. ‬وقعوا ضحايا الظلم والاستغلال،‮ ‬فضاعت حقوقهم وسقطت أدوارهم في‮ ‬الحياة‮.‬

فهل‮ ‬يمكن لحكومة رجال الأعمال أن تتذكر هؤلاء المشردين،‮ ‬الذين لا‮ ‬يعرفون طريق الفرحة،‮ ‬ولا حتي‮ ‬طعم اللحمة في‮ ‬العيد‮.. ‬وأن تشملهم في‮ ‬برامج السفه المالي‮ ‬علي‮ ‬الانتخابات مثلا‮.‬

في‮ ‬البداية‮ ‬يجب أن نشير إلي‮ ‬ان الهامشية وحسب تحليل مركز ديسال،‮ ‬وهو أحد مراكز البحث العلمي‮ ‬في‮ ‬أمريكا اللاتينية‮ - ‬تتسم بغياب المشاركة في‮ ‬الحياة السياسية،‮ ‬وبالتالي‮ ‬لا‮ ‬يكون للهامشيين دور أو تأثير في‮ ‬اتخاذ القرار السياسي،‮ ‬ويترتب علي‮ ‬ذلك ضآلة ما‮ ‬يحصل عليه الهامشيون من مصادر الثروة في‮ ‬المجتمع وبالتالي‮ ‬ينعدم التماسك الداخلي‮ ‬بين الفئات الهامشية،‮ ‬فلا‮ ‬يضمهم تنظيم أو هدف مشترك،‮ ‬ولذلك‮ ‬يعجزون عن الدفاع عن مصالحهم،‮ ‬ويقعون فريسة للظلم والاستغلال‮.‬

وفي‮ ‬دراسة عن‮ »‬الفقر في‮ ‬مصر‮« ‬أجراها الدكتور عزت حجازي،‮ ‬كشفت عن أن الفقراء لديهم الإحساس بنقص الأهمية والفاعلية،‮ ‬بل والعجز لأنهم‮ ‬يجدون أنفسهم مستبعدين من مواقع التأثير،‮ ‬فلا‮ ‬يتم وضعهم في‮ ‬الاعتبار عند اتخاذ القرار العام وتنفيذه،‮ ‬حتي‮ ‬فيما‮ ‬يخصهم أو‮ ‬يمسهم من قريب،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فهم‮ ‬يشعرون بأنهم مهمشون،‮ ‬ويترتب علي‮ ‬هذا‮ - ‬من جانبهم‮ - ‬ضعف الإقبال علي‮ ‬المشاركة في‮ ‬النشاط العام كأداء الخدمة العامة أو التصويت في‮ ‬الانتخابات وما إلي‮ ‬ذلك،‮ ‬وهذا‮ ‬يعد من أبرز عوامل ضعف المواطن في‮ ‬مواجهة الدولة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬ضعف شعوره بالانتماء‮.‬

أنام في‮ ‬الشارع

إذا قمت بجولة في‮ ‬الشارع المصري،‮ ‬ربما لن تلاحظ مباشرة،‮ ‬هؤلاء المهمشين،‮ ‬لكن إذا أمعنت النظر،‮ ‬فستفاجأ بهم كثيرين،‮ ‬وحكاياتهم مريرة تكشف عن واقع أليم‮ ‬يعيشونه‮..‬

‮»‬عبدالتواب‮« ‬اتخذ الأرض فراشا والسماء‮ ‬غطاء،‮ ‬سألناه عن حاله،‮ ‬فقال الحمد لله علي‮ ‬كل شيء،‮ ‬أنا كنت موظفاً‮ ‬في‮ ‬شركة وخرجت معاشاً‮ ‬مبكراً‮ ‬أو عندما لم أتمكن من دفع إيجار الغرفة التي‮ ‬كنت أسكن فيها‮ »‬قام صاحب البيت بطردي،‮ ‬ولم أجد مكانا آخر أقيم فيه خاصة أن أولادي‮ ‬كلهم متزوجون ولا أريد أن أكون عبئاً‮ ‬عليهم‮. ‬بتلك الكلمات المريرة،‮ ‬أنهي‮ »‬عبدالتواب‮« ‬مأساته،‮ ‬وهو‮ ‬يدعو الله أن‮ ‬يفرج عنه كربه‮.‬

فريسة الذل

عم‮ »‬جمال‮« ‬بالرغم من من أن كلامه كان قصيراً‮ ‬إلا أن ملامحه كانت توحي‮ ‬بكلام كثير،‮ ‬كان‮ ‬يتمني‮ ‬أن‮ ‬يقوله لنا عن مستقبل مظلم،‮ ‬قد كتب عليه أن‮ ‬يعيشه وحياة مهمشة أصبح فريسة لها،‮ ‬فهو‮ ‬يعيش علي‮ ‬مساعدات أهل الخير ولا‮ ‬يملك شيئاً‮ ‬من حطام الدنيا،‮ ‬وكل ما‮ ‬يتمناه ألا‮ ‬يتعرض لمزيد من المذلة في‮ ‬أيامه الأخيرة‮.. ‬قال‮: ‬إذا كانت الحكومة قد تخلت عنا،‮ ‬فمن خلقنا لا‮ ‬ينسانا‮.‬

مفيش فايدة

قد تدفع ضغوط الحياة أحيانا،‮ ‬بالمواطن الي‮ ‬ان‮ ‬يفقد عقله خاصة إذا وجد نفسه محاصراً‮ ‬بالأزمات من كل جانب،‮ ‬هذا ما شعر به عندما مررنا بـ‮ »‬هدي‮« ‬في‮

‬شارع البستان،‮ ‬فهي‮ ‬تحمل علي‮ ‬وجهها ابتسامة تخفي‮ ‬وراءها العناء،‮ ‬وقد كانت تسير أمامنا مسرعة،‮ ‬وعندما حاولنا أن نتبادل معها الكلام،‮ ‬قالت لنا‮: »‬ما فيش فايدة‮« ‬ويبدو أن هدي‮ ‬ليست وحدها،‮ ‬التي‮ ‬تجد حياتها بلا قيمة‮..‬

وحيدة

الحاجة سميحة عجوز،‮ ‬كانت تجلس في‮ ‬أحد شوارع وسط البلد،‮ ‬وملامح الحزن والأسي‮ ‬تبدو علي‮ ‬وجهها،‮ ‬الذي‮ ‬يوحي‮ ‬بعبارات كثيرة عن الظلم والحرمان التي‮ ‬تسببت فيها قسوة الزمان،‮ ‬بعد فراق زوجها وعائلها الوحيد منذ عدة سنوات‮ - ‬كما عرفنا منها‮ - ‬ليتركها وحيدة تصارع الحياة القاسية،‮ ‬فهي‮ ‬سيدة مسنة ليس لديها أبناء،‮ ‬وجدت نفسها وحيدة وبلا مصدر رزق،‮ ‬فقد كان زوجها‮ ‬يعمل أرزقيا وليس له مهمة ثابتة،‮ ‬فأصبحت بلا معاش‮ ‬يمكن أن تستند إليه،‮ ‬أو أبناء‮ ‬ينفقون عليها،‮ ‬وباتت تعيش في‮ ‬مساعدات أهل الخير من الجيران والأقارب،‮ ‬لكي‮ ‬تكمل ما تبقي‮ ‬من حياتها،‮ ‬فهي‮ ‬لا تستطيع ان تعمل نظراً‮ ‬لمرضها وكبر سنها،‮ ‬ودائماً‮ ‬تخرج الي‮ ‬الشارع لكي‮ ‬تشعر بالألفة،‮ ‬بين الناس بدلا من العيش في‮ ‬غرفتها وحيدة دون أن‮ ‬يُسأل عنها أحد‮.‬

بدون مأوي

في‮ ‬شارع قصر النيل بوسط البلد جلست امرأة عجوز علي‮ ‬أحد الأرصفة في‮ ‬حالة‮ ‬يرثي‮ ‬لا،‮ ‬بعد أن افقدها الزمان ما كانت تملكه،‮ ‬فهي‮ ‬لا تتذكر شيئاً‮ ‬علي‮ ‬حياتها،‮ ‬التي‮ ‬تبدو بائسة بل جمعت بعض أشيائها في‮ ‬حقائب‮ ‬يدوية بسيطة،‮ ‬وسارت تجوب الشوارع والميادين،‮ ‬تبحث عن مأوي‮ ‬أو مكان تستريح فيه قليلاً،‮ ‬فهي‮ - ‬كما قالت‮ - ‬لا تجد من‮ ‬يهتم بها،‮ ‬ولا‮ ‬يسأل عنها،‮ ‬إلا قليل من أهل الخير الذين‮ ‬يمدون لها‮ ‬يد المساعدة،‮ ‬والعون،‮ ‬فالبعض‮ ‬يقدم لها الطعام والشراب والبعض الآخر‮ ‬يخشي‮ ‬الاقتراب منها،‮ ‬ويكتفي‮ ‬بالنظر إليها والابتعاد عنها‮.‬

لقد امتلأت شوارع المدينة بالعديد من المشردين الذين لا‮ ‬يجدون مأوي‮ ‬أو رعاية،‮ ‬في‮ ‬ظل قسوة الزمان،‮ ‬حيث أصبح الشارع هو مأواهم الوحيد،‮ ‬حيث‮ ‬يشعرون فيه بالأمان والاستقرار خاصة عندما تمتد لهم‮ ‬يد العون من الناس،‮ ‬فأصبح هؤلاء‮ ‬يفترشون الأرصفة وتحت الكباري،‮ ‬بعد أن قسا عليهم الزمن،‮ ‬فالبعض منهم فقد عقله لأسباب مختلفة،‮ ‬أو فقدان الحنان من قبل أبنائهم الذين تركوهم‮ ‬يعانون بعد ضياع سنوات طويلة في‮ ‬تربيتهم‮. ‬فكانت القسوة هي‮ ‬السبب وراء تدهور حالهم وبات الشارع هو المكان الآمن بالنسبة لهم،‮ ‬فلا‮ ‬يوجد فيه من‮ ‬يرهبهم ولا‮ ‬يحرمهم من حياتهم،‮ ‬أو‮ ‬يحاول طردهم من أماكنهم،‮ ‬سوي‮ ‬بعض رجال الأمن الذين عادة ما‮ ‬يلاحقونهم،‮ ‬ويتعاملون معهم بصورة سيئة،‮ ‬لكنهم سرعان ما‮ ‬يعودون إلي‮ ‬أماكنهم مرة أخري،‮ ‬ليكملوا مسيرة حياتهم البائسة في‮ ‬الشارع‮.‬