بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

سينما صبري‮ ‬موسي‮ ‬تبحر داخل الإنسان


الكتابة عن سينما صبري‮ ‬موسي‮ ‬تدفعك للدخول في‮ ‬مساحة من الأفكار التي‮ ‬تجعلك في‮ ‬حالة جدل دائم مع مفاهيم اعتدنا عليها في‮ ‬السينما فصبري‮ ‬موسي‮ ‬حالة من الإبداع الخاصة جدا التي‮ ‬تكسر القوانين المعتادة سينمائيا لأنه‮ ‬يتفاعل مع المحتوي‮ ‬الإنساني‮ ‬والشعوري‮ ‬لدي‮ ‬أبطاله أيا كان المصدر الذي‮ ‬خرجوا منه ففي‮ »‬الشيماء‮« ‬أنت أمام شخصية دينية تاريخية ذات مواصفات الاعتماد الأول في‮ ‬البناء الدرامي‮ ‬لها مبني‮ ‬علي‮ ‬المطالبة بتوصيل هدف ديني‮ ‬محدد‮ ‬يخص الرسالة المحمدية وفي‮ »‬قاهر الظلام‮« ‬الذي‮ ‬تنكر منه صبري‮ ‬موسي‮ ‬كفيلم سينمائي‮ ‬لأنه ترك المضمون الذي‮ ‬أراده صبري‮ ‬موسي‮ ‬عندما قرر تقديم شخصية طه حسين في‮ ‬فيلم فبرؤيته كمثقف ومبدع رأى أن المدخل لتلك الشخصية‮ ‬يكون من خلال المجادلة التي‮ ‬حدثت بين الأزهر وطه حسين ولكن‮ ‬يبدو أن المخرج الراحل عاطف سالم لم‮ ‬يتحمل الدخول في‮ ‬مناقشة توابيت أدخلنا فيها أنفسنا حتي‮ ‬تحول الأزهر من منارة للاستنارة الي‮ ‬جهة تفرض عليك قوانين وكأنها أنزلت من السماء وأصبح الاقتراب حتي‮ ‬من جدل أثير ونقله سينمائيا أمرا‮ ‬يخاف منه لذلك فأنا أري‮ ‬أن فيلم‮ »‬قاهر الظلام‮« ‬لا‮ ‬يعد أحد أفلام صبري‮ ‬موسي‮ ‬حتي‮ ‬وإن كتب عليه اسمه وإذا اقتربت من عملين من أم مائة فيلم قدمتها السينما المصرية حتي‮ ‬الآن وهما‮ »‬البوسطجي‮« ‬و»قنديل أم هاشم‮« ‬وكلاهما مأخوذ من قصة للروائي‮ ‬المبدع‮ ‬يحيي‮ ‬حقي‮ ‬ففي‮ »‬البوسطجي‮« ‬المأخوذ من دماء وطين فإنك تجد نفسك بالفيلم أمام ملحمة درامية عميقة الأبعاد ممتدة الجذور داخل التكوين المصري‮ ‬بأكمله خاصة بالصعيد من منطلق أننا بداخلنا ازدواجية‮ ‬غريبة لمعني‮ ‬ومفهوم الشرف فهذا هو عباس البوسطجي‮ ‬المنقول الي‮ ‬قربة كوم النحل بأسيوط ليعمل ناظرا لمكتب البريد‮. ‬يتعايش مع جهل أهالي‮ ‬القرية وتزمتهم ومعاملتهم الجافة في‮ ‬مجتمع وعادات وتقاليد عقيمة دمرتهم في‮ ‬النهاية،‮ ‬والأب الذي‮ ‬قتل ابنته في‮ ‬مشهد‮ ‬غاية في‮ ‬الإبداع هو نفسه الذي‮ ‬اعتدي‮ ‬علي‮ ‬الشغالة وأعطاها لأهلها ليقتلوها تلك الأقصوصة الصغيرة ليحيي‮ ‬حقي‮ ‬تناولها المبدع صبري‮ ‬موسي‮ ‬وحملها حالة من الشجون والضعف والقهر والخوف من المستقبل من خلال خطين متوازيين للبوسطجي‮ ‬المجبر علي‮ ‬العيش في‮ ‬جو مليء بالملل والتخلف والابنة المفعمة بحلم الحب والانطلاق كليهما‮ ‬يذوبان في‮ ‬بوتقة من مفاهيم بالية لمعني‮ ‬الشرف‮.‬
وإذا اقتربنا من‮ »‬قنديل أم هاشم‮« ‬فصبري‮ ‬موسي‮ ‬أراد عند كتابته لهذا الفيلم تقديم رؤية خاصة لمفهوم الإيمان بالمعتقدات المتوارثة التي‮ ‬قد تصل بيننا الي‮ ‬حد الإيمان بالخرافة ولكنه في‮ ‬نفس الوقت أعطي‮ ‬رسالة محددة وهي‮ ‬أننا إذا أردنا التخلص من تلك الخراف فات فليس علينا رفضها المباشر العنيف بسلاح العلم فإن هذا قد‮ ‬يؤدي‮ ‬هذا الي‮ ‬نتيجة عكسية لأن البسطاء من الصعب إقناعهم بأخطاء ما توارثوه ويجب التدرج في‮ ‬تناول تلك القضايا ولقد كان صبري‮ ‬موسي‮ ‬موفقا الي‮ ‬حد كبير لأن أفكاره المشبع بها ضد رفض الخرافة وفي‮ ‬نفس الوقت احترام كينونة الشخص المعتقد بها جعلته من شخوصه السينمائية بالفيلم أناسا من لحم ودم ساعدت

كثيرا في‮ ‬وصول المضمون الذي‮ ‬يريده بطرح النموذجين نموذج الذين تربوا علي‮ ‬العادات والتقاليد الخاطئة والمتراكمة وبين شخص منهم قادم من الخارج بالعلم‮.‬
وإذا اقتربنا من تجربته‮ »‬حادث النصف متر‮« ‬الذي‮ ‬تناولته السينما مرتين في‮ ‬سوريا ومصر وهو نموذج من أعمال صبري‮ ‬موسي‮ ‬المأخوذة عن قصة وفي‮ ‬تلك النوعية من الأعمال تري‮ ‬المبدع صبري‮ ‬موسي‮ ‬مغرقا في‮ ‬تعمقه داخل الإنسان بكل ما فيه من تناقضات‮ ‬غريبة لا تبدو علي‮ ‬السطح إلا في‮ ‬مواقف نادرة ولكنها مصيرية تحدد حياته المستقبلية وتشير الي‮ ‬جذوره وأفكاره المخبأة بداخله والتي‮ ‬قد لا‮ ‬يعلم هو نفسه وفي‮ »‬حادث النصف متر‮« ‬أعطاك أيضا بعدا لم‮ ‬يقدم من قبل لقصة حب نضجت بعد انتهائها ونموذجا لاقتران الحب بالشك من خلال وفاء واعترافها لخطيبها بعلاقتها بشاب‮ ‬يستشهد في‮ ‬الحرب ثم تحدث بينهما علاقة جسدية وتحمل،‮ ‬في‮ ‬البداية‮ ‬يسعد بالجنين ويحدد معها موعدا للزواج،ولكن صديقه‮ ‬يرفضها لأنها استسلمت له قبل الزواج مما‮ ‬يجعلها ترفض تردده وتجهض الجنين كإعلان لإجهاض الحب‮.‬
أما فيلم وقد أنتج وهو أضخم فيلم في‮ ‬تاريخ السينما العراقية علي‮ ‬الإطلاق حتي‮ ‬عام‮ ‬80‮ ‬قدمه من خلال مجموعة من الشرائح الاجتماعية المختلفة،‮ ‬وركز بصورة خاصة علي‮ ‬جيل الشباب،‮ ‬الطلبة،‮ ‬وهم‮ ‬يفجرون‮ ‬غضبهم ضد السلطة وضد الاستغلال،‮ ‬وقد نال الجائزة الأولي‮ ‬سيف دمشق الذهبي‮ ‬في‮ ‬مهرجان دمشق السينمائي‮ ‬الأول‮.‬
ويجيء فيلم‮ »‬أين تخبئون الشمس‮« ‬من إخراج عبدالله المصباح وتناول فيه قصة عاشت مجزرة في‮ ‬لبنان علي‮ ‬أيدي‮ ‬الإسرائيليين،‮ ‬رأت زوجها‮ ‬يذبح مما جعل المثل تهتز أمامها،‮ ‬تهرب من تل الزعتر وتفقد ثقتها بكل شيء وتعيش مع شباب‮ »‬الهيبيز‮« ‬ثم‮ ‬يحدث التحول من شاب‮ ‬يقدم نموذج الشاب المختلف هذا الفيلم‮ ‬يعتمد في‮ ‬تقديم فكرته من خلال استخدام النقيضين بصورة واضحة،‮ ‬إننا في‮ ‬سينما صبري‮ ‬موسي‮ ‬نري‮ ‬الإنسان علي‮ ‬حقيقته وأعتقد أنه من أكثر المبدعين المبحرين داخل النفس البشرية‮.‬
ويبقي‮ ‬في‮ ‬النهاية أن إبداع صبري‮ ‬موسي‮ ‬الأدبي‮ ‬مازال في‮ ‬احتياج الي‮ ‬من‮ ‬يحتويه سينمائيا‮.‬