بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

قراءة في نعي المستشار كمال أنور

  في الأسبوع الماضي، فقدت مصر عالما جليلا وقاضيا عظيما، هو المستشار الدكتور «كمال أنور». والمستشار الدكتور «كمال أنور محمد أنور» - لمن لا يعرفه – تولى رئاسة محكمة النقض ورئاسة مجلس القضاء الأعلى،

في الفترة من أول يوليو سنة 1992م إلى الثلاثين من يونيو عام 1993م. وقد حصل على درجة الدكتوراه في القانون الجنائي، عن موضوع «تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان»، وكان ذلك في ريعان شبابه.

وقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تأتي وفاته في أتون الأزمة المثارة حاليا بين القضاة والمحامين حول مشروع قانون السلطة الجديد، وبالتحديد التعديل المقترح على المادة الثامنة عشرة. إذ يجري نص المادة الحالي على النحو التالي: «تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام ويكون النص بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية. ونظام الجلسة وضبطها منوطان بالرئيس». ولكن، ترى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع تعديل قانون السلطة القضائية ضرورة تعديل المادة المشار إليها، بحيث يغدو نصها على النحو الآتي: « تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام ويكون النص بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية. ونظام الجلسة وضبطها منوطان بالرئيس. وللمحكمة أن تأذن للمتقاضين في أن ينيبوا عنهم في المرافعة أمامها أزواجهم وأصهارهم أو أشخاصا من ذوي قرباهم إلى الدرجة الثالثة. وكل من اقتحم عنوة أيا من مقار المحاكم والنيابات أو أخل بسير العدالة أو نظام الجلسات يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف جنيه. فإذا وقعت الجريمة أثناء انعقاد الجلسات كان للمحكمة أن تأمر بالقبض على المتهم أيا كانت حصانته وإحالته إلى النيابة العامة بمذكرة في خلال مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة. ويصدر وزير العدل بالتنسيق مع وزير الداخلية قرارا بإنشاء إدارة خاصة لحراسة المحاكم والنيابات وكافة القنوات المتصلة بشؤون العدالة والمعاونة في تنفيذ الأحكام وفقا لتوجيهات رئيس المحكمة المختص». وقد تحفظ المحامون على هذا التعديل، حيث رأوا فيه انتقاصا من الحصانة المقررة لهم. بينما ترى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع التعديل أن «فيه حماية لحق الدفاع لأنه لا سبيل إلى تمكين المحامي من أداء مهامه إلا من خلال حفظ النظام في الجلسة. وقد شكا بعض المحامين من اعتداء زملائهم عليهم ومنعهم من ممارسة عملهم. وطبقا للمادتين 99 من الدستور و96 من قانون السلطة القضائية فإنه لا حصانة لعضو مجلس الشعب ولا للقاضي في أحوال التلبس، كذلك فإن الانتماء لنقابة المحامين ليست وسيلة لحماية مرتكبي الجرائم، وإلا كان ذلك إخلالا بمبدأ المساواة وتصريح بارتكابها. ولما كانا القبض على المتهم هو الحد الأدنى للإجراءات اللازمة لوقف الجريمة فقد نزلت اللجنة إلى ذلك الحد». وقد أشارت اللجنة في هذا الصدد إلى المواد المرتبطة في التشريعات الأخرى، وهي 164 مرافعات و243 إجراءات و133 عقوبات و49 و50 من قانون المحاماة.

ومع تأكيد استنكارنا لما يحدث من

ممارسات غير قانونية في الاعتراض على هذه المادة، ودون الخوض في الجدل المثار حولها، نرى من المفيد إلقاء الضوء على النعي المنشور بجريدة الأهرام يوم الجمعة الموافق الثامن والعشرين من أكتوبر 2011م عن وفاة المستشار الدكتور «كمال أنور محمد». فقد لفت نظري في هذا النعي أن المستشار الدكتور «كمال أنور» هو نجل المرحوم المهندس «محمد أنور»، أي أن والده لم يكن منتميا لسلك القضاء، وإذا نظرنا إلى أشقاء المستشار الدكتور «كمال أنور»، لا نجد من بينهم من جلس على منصة القضاء. ومع ذلك، فقد صار المستشار الدكتور «كمال أنور» من أبرز رجالات القضاء. كذلك، لفت نظري أن للمستشار «كمال أنور» ولدين، هما المهندس «عمرو كمال» والأستاذ «خالد أنور» المحامي. وهكذا، فقد كان مألوفا في هذا الزمن الجميل أن يكون ابن المستشار محاميا، وابن المحامي قاضيا. وفي ظل هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تستقيم العلاقة بين القاضي والمحامي، وأن يحافظ المحامي على هيبة القاضي وأن يحترم القاضي مكانة المحامي.

وفي هذا الزمن الجميل أيضا، لم يكن مقبولا ولا مستساغا أن يقول البعض بأن ابن القاضي يستحق التعيين في القضاء – أيا كان تقديره أثناء سنوات الدراسة الجامعية – لأنه تربى في بيئة قضائية. ولو تمعن هؤلاء في هذه المقولة، لوجدوا أنها حجة ضد ابن القاضي وليست حجة له. فإذا كان ابن القاضي لم يفلح في الحصول على تقدير «جيد» رغم أنه يعيش ويحيا في بيئة قضائية، فماذا عساه أن يفعل لو أنه عاش في بيئة غير قضائية !!!

وفي الختام، لا نملك إلا أن نترحم على روح المستشار الدكتور «كمال أنور»، وأن نترحم على هذا الزمن الجميل الذي كان فيه القاضي لا يجد غضاضة في أن يكون ولده محاميا طالما أنه لم يحصل على التقدير اللازم لالتحاقه بسلك القضاء وكان هناك من هو أجدر منه بهذه الولاية التي هي من أسمى الولايات وأعلاها قدرا ومكانة. 

----------   

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة