رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

 

 

 

 

إذا قمتم أنتم بالصناعة.. فلمن نبيع مصنوعاتنا.. وإن قمتم بزراعة أراضيكم لأنفسكم فمن أين نأتى بالخامات التى نعيد تصديرها لكم.. وإن عم الرخاء بلادكم واغتنت شعوبكم فمن أين لنا بالأيدى العاملة الرخيصة.. تمثل هذه الكلمات ملخصًا واقعيًا لتاريخ الاقتصاد السياسى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء.. بدأت دول العالم فى بناء ما هدمته الحرب.. وإصلاح الأسواق والصناعات المحلية.. كانت فرصة عظيمة لمن يريد تعظيم ثرواته.. فمن مشروع مارشال.. إلى إعادة بناء ألمانيا.. كانت الفرص تلمع كالنجوم فى أعين صائدى الثروات.. ومع هذه النهضة العالمية.. بدأت حركات التحرر فى التزايد.. وبدأت الشعوب المقهورة لا تسعى للحرية والتخلص من الاستعمار فحسب، بل بدأت تصبو للحياة الكريمة والرفاهية.. وبدأت النزعات الوطنية والقومية تخطو خطوات واسعة فى إعادة بناء الأوطان.. وتحسين معيشة مواطنيها.. ومع اختلاف ظروف وإمكانيات الدول.. بدأ الجميع يسير فى اتجاه واحد.. وهو ما عرف لاحقًا فى أدبيات الاقتصاد بـ«التنموية».. ارتكزت «التنموية» على عدة أسس رئيسية خلطت بين الاشتراكية والرأسمالية.. مثلت فى مجملها تعويض شعوبها عما لاقته فى زمن الاستعمار.. فكان الاستغلال الأمثل لموارد الدولة.. مكافحة البطالة وتأسيس شركات كبرى تديرها الدولة.. ومن هذه الدول من لجأ للتأميم.. سواء بشكل عادل أو جائر.. الخلاصة كانت محاولة جادة لتعظيم ثروات الأمم.. وتضميد الجراح بسياسات تضمن للجميع الحق فى المسكن والتعليم والصحة والعمل.

لكن فى المقابل أن ارتضت القوى الاستعمارية التخلى عن أراض استولت عليها بقوة السلاح.. ما كان لها أن ترضى بالتخلى عن ثروات تلك الأراضى.. من نفط لمعادن نادرة لمنتجات زراعية.. وبدأت الشركات الكبرى تشتكى لحكوماتها من مطالب العمال المتزايدة فى المستعمرات القديمة.. فكان التأميم والضرائب وزيادة الأجور والتأمينات الاجتماعية واتحادات العمال.. وإجبار تلك الشركات الأجنبية على إعادة استثمار جزء من أرباحها داخل الدولة.. تمثل كابوسًا مزعجًا يهدد امبراطورياتها المتوحشة.. وفى تحركات خفية ومعقدة يطول شرحها كان ذلك الاندماج المريب بين مصالح تلك الشركات وأنظمتها وأجهزة مخابراتها.. كان الهدف الأسمى لهذا التحالف القضاء على النهضة المأمولة فى المستعمرات القديمة.. وبدا أن الإغراءات والمناورات السياسية مع قادة الدول المتحررة حديثًا لن تجدى نفعًا.. فكان الوجه الآخر للاستعمار.. القوة المركزة بدلًا من الاحتلال العسكري.. عبر اغتيال الزعماء التنمويين لتلك الدول.. وبدأت حقبة الاغتيالات والانقلابات.. فكان اغتيال رئيس جواتيمالا اربنز عقابا له على إعادة شراء «وليس تأميم» الأراضى التى كانت تستولى عليها شركة الفواكه المتحدة الأمريكية.. وأطيح برئيس وزراء إيران محمد مصدق فى عملية «أجاكس» بعد تجرؤه بالإقدام على إصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة.. منها الضمان الاجتماعى وتنظيم الإيجارات واستصلاح الأراضى.. وأخيرًا تأميم صناعة النفط الإيرانية التى تستولى عليها بريطانيا.. وبدأت طلقات الاغتيال والانقلابات تعوى شرقًا وغربًا.. من إيران لأندونيسيا ومن جواتيمالا لتشيلى والأرجنتين وغيرهما.. لتعزف جميعها نغمة واحدة.. التخلص من رؤوس التنمية.. وحرمان شعوبهم من جنى ثمار التحرر من الاستعمار والاستقلال السياسي.. لكن الاغتيالات وحدها لم تكن كافية.. كان لابد من تعميم ثقافة جديدة تتيح الاستيلاء على ثروات تلك الشعوب بشكل ممنهج ودائم.. حيث اتهام أصحاب الفكر التنموى بالتوجه الشيوعى «فى ظل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربي».. يعتبر تهمة وجيهة لتبرير التخلص من هؤلاء القادة.. أما عن المنهج، فكان جاهزا ينتظر الانطلاق، كامنًا فى جامعة شيكاغو وبين أوراق شيطان الاقتصاد ميلتون فريدمان..

 

و«للحديث بقية».

[email protected]