وليد عونى: جمعت بين الصوفية والرقص الحديث للتعبير عن أفكار «زها حديد»

استنبط الفنان العالمى وليد عونى، مؤسس فرقة التانيت للرقص المسرحى الحديث، أفكاره الحسية والحركية من شخصيات ورموز أثرت فى وطننا العربى، فباتت أعماله بمثابة توثيق أو تأريخ لأعمالهم، وتضمنت أعماله حياة الفيلسوف جبران خليل جبران، ورابعة العدوية، وفرويد، وتحية حليم، وزها حديد وغيرهم من الرموز والشخصيات العامة.
بعد غياب 7 أعوام عن مصر موطنه الثانى حسبما يؤكد، يستأنف عونى نشاطه من جديد فى مصر التى شهدت بزوغه الفنى، متحليا بعقل فاعل متوثب، ربما يكون أكثر تأثيرا وفعالية، لأن العرض الجديد الذى اختتم به فعاليات الدورة الـ26 لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى المعاصر، يتحدث عن شخصية عامة لا يمكن وصفها غير أنها نجمة تلألأت فى عالم التصميم المعمارى، وهى المهندسة المعمارية العراقية زها حديد؛ التى اتسمت تصاميمها بالانسيابية والغرابة والإغراق فى الخيال الحر، وهو ما يمكن لمسه فى الكثير من الصروح التى تحمل اسمها فى حواضر العالم.
ولأن الخيال هو السر الذى يربط بين الفنان وليد عونى والمهندسة زها حديد، لذا لا يجد أدنى صعوبة فى توظيف أعمالها بفنه.
وبسؤاله عن عملية الربط بين أعمال زها حديد والرقص المسرحى الحديث يقول : نحاول من خلال العرض تخليد ذكرى فنانة أثرت فى الهندسة المعمارية، ومحاولة للبحث عن الكون من خلال الكتلة والفراغ فى التصميمات الهندسية، حيث نجحت زها فى خلق تكوينات معلقة فى الفضاء تحاكى دوران الدرويش فى حركته التى ترتكز إلى الأرض، وانتمت أعمالها إلى ما يسمى المدرسة التفكيكية التى تعتمد على هدم التصورات الهندسية الأساسية لاكتشاف فضاء جديد يسهم فى الخروج من الإطار التقليدى للأشكال.
قلت له تعودنا خلال مسيرتك الفنية أن أعمالك تقدم الشخصيات الثقافية والفنية.. كيف وقع اختيارك على المعمارية العراقية زها حديد ولماذا هى تحديداً؟ يجيب قائلاً: أفكر فى زها منذ الثمانينيات، عندما شاهدت لها معرضا لرسوماتها فى بلجيكا، وكنت أدرس آنذاك بكلية الفنون الجميلة، وهى مهندسة ولكن رسوماتها كانت تثير الجدل، ورغم ذلك كانت لديها ثقة فى تحقيق حلمها. كما اعتبر زها فنانة أكثر من كونها مهندسة معمارية، فعندما يبدع – أى إنسان فى عمله ويخلص له يلقبونه بالفنان دلاله على وصوله قمة المجد، وزها نجحت بفكرها الهندسى الوصول إلى العالمية، حيثُ تعاملت مع هندستها كفراغ كونى كوزمولوجى وأطلقتها على مفهوم الطبيعة البشرية.
وعن سر اقحام الرقص الصوفى ومزجه بالحديث فى تعريف الجمهور بـ زها حديد يقول: زها تذهب فى البحث عن الكون من خلال المساحة والفضاء والفراغ، والفضاء موجود فى الفكر الصوفى وكذلك عظمة حب الكون اللا متناهى، فى الرقص نتعامل دائما فى الاتجاه من الزاوية إلى الزاوية بخط مستقيم، كذلك عن زها حديد الإثبات هو نفسه بطريقة حيوية لأنها لا ترى خطوطاً مستقيمة ولا زوايا مستقيمة ولا جانبية، فلا يوجد حدود للحركة الهندسية، لذا قررت أن امزج بين الرقص الصوفى الذى يُعرف بـ«المولوية» الذى يقوم بالدوران حول النفس والحديث للتعبير عن المفهوم العميق لأعمال زها حديد التى ابدعت فى تكوين هندسى معلق فى الفضاء يرقص مع
وحول الجرعة الزائدة فى «زها حديد» الذى يجمع بين الفلسفة والهندسة والصوفية يقول : العرض فيه تأمل وإطالة بسبب الجرعة الدسمة الموجودة فيه، لكن فى النهاية نحن نقدم تعبيرات جسدية كل واحد منا يفسرها وفقا لمنظوره، الأهم لدى أن أقدم عملا له قيمه ويعبر عن احترامى للرقص الحديث، ويمتع المشاهد فى ذلك الوقت.
عدت وسألته بحكم طبيعة عمل زها كمهندسة- وليست فنانة، هل يمكن القول أن «دموع حديد» من أصعب أعمال عونى، يقول : بالفعل زها يمكن يكون من أصعب أعمالى للمفهوم، ومن الأعمال التى امتعتنى أيضا وأنا أعمل عليها لأن بها فكر وفلسفة وهندسة وتصوف.
وعن الرسالة التى يريد إيصالها للجمهور من خلال «دموع حديد» يقول : أريد أن اقول للجمهور تأمل فى أعمال زها حديد التى غيرت من مفهوم الهندسة المعمارية المتعارف عليها، ونجحت فى تكوين هندسى معلق فى الفضاء يرقص مع
أعمالك تعتبر بمثابة تأريخ لشخصيات ورموز أثرت فى وطننا العربى هل قصدت ذلك، يقول : بعد التخرج من الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة فى بروكسل، أسست هناك «فرقة التانيت للرقص المسرحى» عام 1980، وكنت حريصا من خلالها تقديم شخصيات أثرت فى مجتمعنا، كنوع من الشكر والتقدير على إسهاماتهم وإعلاء أسمهم دائما فى سماء الفن.
وعن مفهوم العالمية من منظوره يقول : اعتقد أننى وصلت للعالمية لأننى دمت ما يخص أفكارنا وفلسفتنا، وليس ما يخص أفكار أوروبا. فكانت أول شخصية اتحدث عنها فى أعمالى كانت «جبران خليل جبران» حينها ابدوا إعجابه بشخصيته، ثم تحدثت عن الحرب اللبنانية، ثم التصوف فى رابعة العدوية، وسافرنا بها لأمريكا وأوروبا وبلاد المغرب العربى.
ولكن هذه الرموز وضعتك محل نقد وتشكيك من جانب النقاد فقال: أى تغيير فى البداية يحتاج بعض الوقت حتى يتقبله الجمهور، فقد تعرضت لهجوم حاد فى البداية كاد أن يثبط من عزيمتى، لكن كنت أعود أكثر عزيمة وإرادة من الأول حتى نجحت فى إقناع الجمهور بأعمالى وبأفكار وتوجهاتى.