عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عَلَى كُلِّ مَفْصِلٍ لَكَ صَدَقَة

د. محمد سعيد رسلان
د. محمد سعيد رسلان

قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ:

عَنِ ابْنِ عَبَاًسٍ، أَظُنُّهُ رَفَعَهُ، شَكَّ لَيْثٌ، قَالَ: «فِى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِئَةِ سُلَامَى، أَوْ عَظْمٍ، أَوْ مَفْصِلٍ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، كُلُّ كَلِمَةٍ طَيْبَةٍ صَدَقَةٌ، وَعَوْنُ الرَّجُلِ أَخَاهُ صَدَقَةٌ، وَالشُّرْبَةُ مِنَ الْمَاءِ يَسْقِيهَا صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

مَعَانِى الْكَلِمَاتِ:

«سُلَامَى»: عِظَامُ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلُهُ.

«السُّلَامَى»: جَمْعُ «سُلَامِيَةٍ»، وَهِيَ الْأُنْمُلَةُ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ.

وَقِيلَ: وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى «سُلَامَيَاتٍ»، وَهِيَ الَّتِى بَيْنَ كُلِّ مَفْصِلَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الْإِنْسَانِ.

وَقِيلَ: السُّلَامَى: كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ.

وَالْمَعْنَى: عَلَى كُلِّ عَظْمٍ مِنْ عَظْمِ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ.

وَأَصْلُ «السُّلَامَى» أَنَّها مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِى كُلِّ الْعِظَامِ مِنَ الْبَدَنِ.

قَوْلُهُ: «عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِى كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ»:

الْمَعْنَى: عَلَى كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْ أَعْضَائِهِ صَدَقَةٌ شُكْرًا للهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ صَوَّرَهُ وَجَعَلَ أَعْضَاءَهُ مَفَاصِلَ يَقْدِرُ بِهَا عَلَى الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ.

وَقَدْ خَصَّ مَفَاصِلَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّهَا الْعُمْدَةُ فِى الْأَعْمَالِ قَبْضًا وَبَسْطاً.

ثُمَّ بَيَّنَ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى الَّتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَقَالَ:

«كُلُّ كَلِمَةٍ طَيْبَةٍ صَدَقَةٌ»: سَوَاءٌ كَانَتْ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ مُلَاطَفَةً أَوْ مُدَاعَبَةً أَوْ مُوَاسَاةً، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

«وَعَوْنُ الرَّجُلِ أَخَاهُ صَدَقَةٌ»: سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْعَوْنُ مَادِّيًاً أَوْ مَعْنَوِيًاً، فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ.

«الشُّرْبَةُ»: بِالضَّمِّ مِقْدَارُ الرِّيِّ مِنَ الْمَاءِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ مِنْهُ.

«وَالشُّرْبَةُ مِنَ الْمَاءِ يَسْقِيهَا صَدَقَةٌ»: فَفِيهِ: فَضْلُ سَقْيِ الْمَاءِ.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ص: «لَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَاءٍ».

وَعَنْ أَنَسٍ أَنْ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ ص فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى تُوُفِّيَتْ، وَلَمْ تُوصِ، أَفَيْنَفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ».

أَيْ: عَلَيْكَ بِسَقْيِ الْمَاءِ، كَأَنْ

تُتَّخَذَ سَبِيلًا، أَوْ مَا أَشْبَهَ.

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْمَاءُ». فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ.

وَعَنْ جَابِرٍ ﭬ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ: «مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ كَبِدٌ حَرِيٌّ مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إِلَاً آجَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

«وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»: فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ص كَيْفَ يَتَصَدَّقُ الْإِنْسَانُ عَنْ عِظَامِهِ.

وَفِى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى».

فَإِذَا صَلَّى الضُّحَى فَقَدْ أَتَى بِالصَّدَقَاتِ عَلَى عِظَامِهِ كُلِّهَا كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ص.

مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:

عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَدَدِ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْ مَفَاصِلِ جِسْمِهِ صَدَقَةً للهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الشُّكْرِ.

مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ؛ سَقْيُ الْمَاءِ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمَرْضِيَّةِ عِنْدَ رَبِّ الْعِبَادِ.

وَالْغَرَضُ الَّذِى لِأَجْلِهِ سَاقَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ هُوَ قَوْلُهُ: «وَالشُّرْبَةُ مِنَ الْمَاءِ يَسْقِيهَا صَدَقَةٌ» تَحْتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: «بَابٌ: سَقْيُ الْمَاءِ»؛ لِبَيَانِ مَا فِى سَقْيِ الْمَاءِ مِنَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ.